قبل شهرين من الآن أجرى (أنتوني مينغيلا) عملية جراحية لإزالة سرطان في اللوزتين في مستشفى "شايرنق كروس" في لندن، وتكللت العملية بنجاح. وبعد مرور أسبوع على إجراء العملية وفي يوم الثلاثاء الثامن عشر من مارس أصيب (مينغيلا) وهو مستلقٍ على سرير المستشفى بنزيف حاد أفقده وعيه في البداية وليعلن الطبيب بعد مرور ساعات، أن الكاتب والمخرج والمنتج البريطاني "أنتوني مينغيلا" قد فارق الحياة وهو في الرابعة والخمسين من عمره. ولد مينغيلا في مدينة رايد الإنكليزية عام 1954، لأهل مهاجرين من إيطاليا يعملون في صناعة الآيسكريم. عشق مينغيلا الفنون منذ صغره، وبدأ بالتمثيل والكتابة للمسرح وهو في سن السابعة عشرة، لينتهي المطاف به معلماً للمسرح. في بداية الثمانينات ترك مينغيلا مهنة التدريس وانتقل للعمل في التلفزيون كمحرر للنصوص في البداية ثم كمؤلف للعديد من المسلسلات التلفزيونية، وأخرج في تلك الحقبة وقبل أن ينتقل لعالم السينما العديد من المسرحيات الناجحة فنياً. المسيرة السينمائية لمينغيلا بدأت مع بداية التسعينيات، بداية ناجحة كباقي أعماله الذهبية، بفيلم Truly Madly Deeply تأليفاً وإخراجاً، ليحصل على جائزة أفضل سيناريو في جوائز "البافتا" البريطانية. وكبقية أفلامه أيضاً، كان هذا الفيلم يعبر عن الحالة المثالية لأفلام مينغيلا التي تنتمي لعوالم الحب والرومانسية. قدم بعدها فيلماً أمريكياً بعنوان "Mr. wonderful" عام 1993من بطولة مات ديلون، لكن الفيلم فشل تجارياً ونقدياً بشكل أجبره على التركيز في اختياره القادم، فقام بكتابه سيناريو مقتبس من رواية مايكل أونداتجي "المريض الإنكليزي" ليحولها إلى تحفة سينمائية في عام 1996بنفس العنوان "The English Patient" إنتاج أمريكي ضخم وبطولة "رالف فينس" و"جولييت بينوش" و"كريستين سكوت ثوماس" و"ويليام دافو"، ليفوز بتسع جوائز أوسكار، من ضمنها أفضل مخرج وأفضل فيلم. يعد "المريض الإنكليزي" أحد أفضل وأشهر أعمال مينغيلا على الإطلاق، وأحد أفضل الأعمال الرومانسية في السينما الحديثة. يتكلم الفيلم عن أحد مرضى الحرب العالمية الثانية يعيد سرد أحداث قصته الرومانسية على ممرضته. ثيمة الحب والحرب بكل ما تحمله من تقليدية تمت إعادة تشكيلها في هذا الفيلم الذي أصبح كلاسيكياً هو الآخر ليعاد تقديمه بين الحين والآخر، وآخر مثال على ذلك هو فيلم العام الماضي المحتفى به جيداً "التكفير Atonement" الذي ظهر به أنتوني مينغيلا كممثل لمدة بسيطة جداً، كنوع من التكريم لمخرج لم يقدم في أفلامه سوى الحب، وأفضلهما فيلمان مازج فيهما بين الحب والحرب، ونقصد بالفيلم الثاني "جبل بارد Cold Mountain" عام 2003عن قصة حب خلال الحرب الأهلية الأمريكية من تمثيل "رينيه زويليغر" في أفضل أدوارها على الإطلاق لتفوز بأوسكار أفضل ممثلة مساعدة، ونيكول كيدمان، و"جود لو" الذي ظهر معه في ثلاثة أفلام. بين "المريض الإنكليزي" و"جبل بارد" قدم مينغيلا في عام 1999فيلم "السيد ريبلاي الموهوب The Talented Mr. Replay" أحد أغرب أفلامه، لبعده أشد البعد عن موضوعه المفضل، وحتى أسلوبه في الكتابة والإخراج، لكنه أثبت بأنه كاتب سيناريو متميز أكثر مما هو مخرج سينمائي، في هذا الفيلم اقتبس مينغيلا من الكاتبة الأمريكية باتريشيا هايسميث، صاحبة المزاج التشويقي النفسي، وبأسلوب هيتشكوكي أصبح هذا الفيلم يعرف بأنه أقل الأفلام انتماءاً لسينما "مينغيلا". قدم مينغيلا فيلماً متوسط المستوى عام 2006بعنوان "Breaking And Entering" كآخر أفلامه. مساهمته السينمائية في العام الماضي أتت كمنتج منفذ لفيلم "مايكل كلايتون - Michael Clayton". وهكذا ودع مينغيلا دنياه، كسينمائي وتلفزيوني ومسرحي، أو بمعنى آخر ككاتب رائع، استطاع أن يقدم لكل جنس فني شيء من ذاته، فقبل أن يودع الدنيا كان قد انتهى من إخراج الحلقة الأولى لمسلسل بريطاني تلفزيوني.