الرئيس السابق جيمي كارتر تخطى الخطوط الحمر عندما اجتمع بالقيادة السورية، وقادة حماس، لكن من الوهم الاعتقاد أنه قام بهذا الدور بدون إعداد تام من كل الأطراف، ثم إن إعلان ضرب ما زعم أنه مفاعل نووي تعاون على بنائه سورية وكوريا الشمالية، عقب تلك الزيارة وبتوقيت متزامن مع قبول إسرائيل الانسحاب من الجولان ضمن تسوية تدخل فيها العلاقات بين كل من إيران، وحزب الله والجانب السوري، وبوساطة تركية أيضاً، يأتي كمؤشر له احتمالات عديدة.. فالرئيس بوش الذي وعد بإنجاز سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل قبل نهاية ولايته يدرك أن البوابة الأولى لعبور تلك العقبة، هو التوصل بسلام أولي مع سورية، ومن يعتقد أو يخمن أن الفيتو الأمريكي يمنع أي اتصال بسورية أو أي تسوية معها، لا يدرك أن لا ثوابت في السياسة إذا ما اتجهت المصالح إلى إيقاع مختلف، وأولويات جديدة تفرضها حالة المنطقة وتداخلها مع السياسة الأمريكية.. فتركيا وسيط مهم في مثل هذه الحالة لكنها لا تستطيع أداء دورها بدون ضوء أخضر من القيادة الأمريكية، ثم الإسرائيلية، وبالتالي فهدف القيادة الأمريكية أوسع من حصرها بمنع أو قبول إذا كانت الغايات تلتقي مع الاستراتيجيات بعيدة المدى، وسورية، من جانبها، إذا ما حققت نجاحاً في حل أزمة الجولان بدون حرب، فقد تتعامل مع بعض الملفات سواء علاقاتها بإيران، أو حزب الله من نفس المضمون، أي تحقيق أهدافها بما يضمن لها انتصاراً دبلوماسياً، وجلاء عن موقع وأراضٍ تشكل عمقاً تهددها في أي حرب.. هل هو تساوي القوة، أم المصالح؟ هنا تأتي محددات هذا التحرك، أي أن الحرب يجب أن لا تكون مقدمة على الحوار الدبلوماسي، ومثلما عجزت إسرائيل باستخدامها كل وسائل الضغط على غزة، بالحصار الكامل، وانتقاء أهداف لقتل قيادات إسلامية فلسطينية، فإنها لا تستطيع المغامرة بشن حرب على سورية، وإن فضلت أن يكون أحد أهم أهدافها حزب الله، وربما إيران، لكن التعجيل بسلام مع دمشق يقطع حبال التلاقي بين الجبهة الثلاثية، وأمريكا أيضاً تجد في مثل هذا الحل تسوية لقضايا الخلافات الداخلية في العراق المتداخلة مع سورية سياسياً، وربما استراتيجياً، وهنا جاءت الإشارات بأن لكل الأطراف مصالح مهمة للغاية، وحتى القضية الفلسطينية التي تلعب دمشق دوراً داخلها، وكذلك لبنان، فإن حلحلة هذه القضايا بسلوك لا غالب ولا مغلوب ضمن أطر تتجه إلى تسويات دائمة، قد تخلق اتجاهاً بإضعاف موقف إيران، إن لم يكن الضغط عليها عندما يبتعد عنها، أهم حليف عربي في المنطقة ضمن شروط تلك التسويات.. لا نستطيع الجزم بالنجاح، لكن من غير المحتمل أن تسجل تلك الحركات الفشل ثم القطيعة، إذا كانت المتغيرات على الأرض هي التي قادت تلك الحوارات والوساطات، لأن عائدها على كل القوى إيجابياً.. تجربة العراق جاءت بالزمن الخطأ من خلال تصرفات أكثر حماقة، لكن تعويضها بسلام سوري، فلسطيني، إسرائيلي، ليشمل دول المنطقة، سيجعل بوش منتصراً بما حققه من سلام أكثر من حربه مع العراق..