"الحي يحييك والميت يزيدك غبن" مثل شعبي تتناقله ألسنة العامة للتعبير عن حالة سلوكية تمثل صفة الإنسان المنشطرة بين كائن حركي متفاعل بسرعة مع الحدث والعمل وكائن بطئ يميل إلى الدعة والراحة وقلة الحركة، ولذلك وصف الأول بالحي والثاني بالميت لكن العبارة لا تقف عند حدود الوصف المعلق في هذه الصورة بل يتجاوز إلى معنى هذا الفعل عند المستقبل سواء أكان مرتبطاً بهذا الكائن أم غير مرتبط، فالحي يحفز الآخر ويذكي فيه الحماس والحيوية ويشعره بقيمة العمل حتى وإن كان هذا المستقبل (غير حيوي) وفي المقابل البطئ يكاد يقتلك بضعف الحركة وفوات الفرصة وبرودة سير العمل، ولذلك تم التعبير عن ذلك الكائن بأنه (يزيدك غبن) أي يشعرك بالتحسر والألم لأن الوقت والأمر لا يحتملان، لكن هذا المثل الضارب في عمق ذاكرتنا الشعبية أخذ يقف أمام وثبات متتالية لحوادث ضدّية وأحداث معاكسة تحاول أن تهدد سيرورة هذا المثل، وما عليك إلا أن تنظر في عواقب السرعة التي أثّرت ليس في حركة الآلة فحسب ولا في حركة الإنسان ذاته أيضاً فحسب بل حتى في الطعام واللباس والبحث عن المعلومة وما عليك إلا أن تجول بنظرك في الطرقات والشوارع العامة لتجد آلاف المحلات للوجبات السريعة التي يتلقاها العصري سريعاً بطريقة لا تقبل عملية (الحي يحييك) و(الميت الذي يزيدك غبن). هنا هو الحي الذي يستعجل الحياة والتفاعل مع معطيات الحياة، وكل المحلات التي تتجه إلى سرعة الإنجاز شمت رائحة المثل فأرادت أن تعلن عن فرضية اقتصادية مؤثرة تشي بأن ثقافة فهم السلوك الإنساني طريق سهل لاستحلاب جيبه ويمكن لنا بمزيد من الإمعان والتأمل التعرف على صيغة جديدة لهذا المثل وهي أن الحياة الوادعة والحركة الهادئة وقيادة المركبة بطريقة متأنية سبيل إلى تحقيق حياة جديدة للمثل لا تظلم الميت الذي تم تصويره أنه بطئ وهادئ ولا حركي وكسول ومتثائب أمام ذلك الكائن الذي ينحاز إلى الحركة والضجيج والقلق والازعاج والصخب الذي قد (يميتك) بهذه الحيوية فيزيدك غبناً.