على مدى ما يربو على الأربعين عاماً أو ربما تزيد منذ أن بدأت ظاهرة المساهمات العقارية وتوظيف الأموال بالانتشار في المملكة انتهت حصيلة تلك الممارسات غير المقننة على الأقل وفق ما تنشره وسائل الإعلام المقروءة إلى أكثر من 146مساهمة متعثرة امتصت من مدخرات المواطنين ممن لا حول لهم ولا قوة ما يزيد على الأربعة والعشرين مليار ريال، إلى جانب شركات ومؤسسات توظيف الأموال التي استقطبت هي بدورها ما يصل إلى عشرين مليار ريال من أموال اقتطعها أرباب أسر من قوت أبنائهم لتوجه لقنوات التوظيف غير النظامية خلال تلك المرحلة الزمنية. لقد دارت قضايا العديد من تلك المساهمات المتعثرة وما غيبت أثره لسنوات وربما لعقود من أموال استلمها القائمون على تلك المساهمات في أروقة المحاكم ومكاتب القضاء، وأقلقت خلافاتها ونزاعاتها جهات الاختصاص في امارات المناطق، بل وصل صدى البعض منها إلى قمة هرم السلطة في هذه البلاد، فشكل للغالبية منها لجان لبحث جوانبها من الجهات الحكومية والأهلية ذات الصلة سعياً لإيقاف تداعياتها وحسم النزاعات حولها، وأحيل عدد منها إلى أجهزة القضاء وجرت تصفية عدد منها ولازالت نسبة جوهرية من تلك المساهمات المتعثرة محل أخذ وجذب ولم يحسم أمرها. إن في الغالب أن ما يصل من هذه المساهمات المتعثرة إلى المحاكم للنظر في النزاع حولها شرعاً وتنتهي إلى تعيين مصف لهذه المساهمة سواء كان مكتب محاسبة أو مكتب محاماة تحت اشراف الجهة القضائية المعنية بذلك، يتوقع ممن يتولون تصفية تلك المساهمات الالتزام بالآداب المهنية التي تنص عليها قواعد سلوك وآداب مهنة المحاسبة أو المحاماة، إلا أن ذلك للأسف ما لا نلمسه في بعض الحالات بالرغم من الاشراف القضائي عليها، فها نحن نطلع هذه الأيام على إعلان تسويقي منشور في معظم الصحف اليومية المحلية وربما الخليجية أيضاً لتصفية احدى المساهمات المتعثرة بأسلوب لافت وجذاب مستعرضاً مزايا موقع تلك المساهمة المتعثرة التي تتم تصفيتها على نحو يشبه الذي كان يتم فيه تسويق تلك المساهمة ذاتها منذ عدة سنوات، وبينما قد يبهر من يقرأ محتويات ذلك الإعلان التسويقي نجد في ركن ناء من ذلك الاعلان وبخط صغير في حجمه عبارة منسوبة للجهة التي تتولى التسويق لموقع المساهمة المتعثرة التي تتم تصفيتها تحمل عنوان "إشارة قانونية" تنص على ما يلي: ان المعلومات الواردة في هذه النشرة لا تشكل بأي حال من الأحوال وثيقة يتم الاستناد عليها عند اتخاذ أي قرار مهما كان نوعه من قبل أي طرف، لذا تخلى كل من... و... مسئوليتهما عن أي أضرار تنتج لأي شخص أو جهة اعتبارية عند اتخاذ أي قرارات مبنية على معلومات وردت في هذه النشرة. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا توضع تلك المعلومات في ذلك الاعلان إذا كانت ليست محل ثقة في محتوياتها، وكيف تسمح الجهة القضائية المشرفة بنشرها في الإعلان عن التصفية؟ وإذا كان يمكن التنصل من المسئولية القانونية من خلال تلك العبارة المدونة في الإعلان، فهل يمكن التنصل من المسئولية الأخلاقية التي تنص عليها الآداب المهنية من القيام بأداء المسئولية على النحو الذي تراعى فيه مصلحة المجتمع والتحلي بالأمانة والنزاهة والالتزام بالمعايير المهنية في العمل..؟! @ أكاديمي وباحث في اقتصاديات التنمية الحضرية