بانكسار نظرت وبأسى يعتصر الفؤاد باحت وبحالة من الانهيار العاطفي والألم الجسدي اشتكت وبدعوات غاضبة سألت وتمتمت وندمت على ما مضى في حياتها من تضحيات!! كانت لترى الذكريات بحلوها ومرها على امتداد البصر.. ولو كنت مكاني عزيزي القارئ.. لرأيت دوائر الصلع تعلو رأسها وتجاعيد الكد وعقبات الزمن تنحت أخاديد على وجنتيها وشفتين أخذ من رونقيهما الجفاف ما أخذ وبضع أسنان تتمايل وظهر انحنى واحدودب وأطراف ترتعش ونوم أرق وقلق وهموم وأوجاع وأدواء تتفاقم هنا وهناك ومن عضو لآخر، وحزن ويأس قد أوصد قضبانه السوداء في مقلتيها. تبسمت ساخرة وضحكت ثم بكت بل وأجهشت بحرقة وأدمعت واستغاثت بالله ليخفف عنها نار الألم المتضرمة في جوفها وقالت: ضحيت بالكثير من راحتي وهنائي وأهدرت الكم الهائل من عطفي وإشفاقي واهتمامي وقتلت آمالي وأحلامي ورجاءاتي الماثلة نصب عيني تجاه نفسي واحتضنت طفلتي صغيرتي نور عيني في قلبي وعواطفي واحتويتها في ضعفها وحاجتها وصنتها ودفعت عنها الخطر والوحشة والهلع وزهدت بالثمين لأجل ان أراها مزهرة معطاءة، مسرورة وضاءة باذلة للخير في شدة ورخاء وجارة للمسكين والضعيف وملاذا للمغبون في بلواه غير أني أنا من أمسى (المسكين والضعيف المغبون في أمره!!). عشت وإياها حالات عصيبة وأوقات غاية الصعوبة والألم، كنت أمسك بساعدها حتى تلج المدرسة وأخشى عليها البرد والشمس والمطر واجترم الحرمان لأكفيها عوز الدنيا وأمنع الجميل المباح عن نفسي لأكسوه إياها، وأسهر الليال العصيبة لتقر عينها، فكم من مرة حدرت اللقمة من فمي لأطعمها وأنا جوعى وأسقيتها وأنا عطشى وأمددتها بالدفء والحنان وقفقفة البرد تشل بدني وعظامي والكثير الكثير مما بذلت ما لا تصفه كلمات وصور حتى ذوى ريعان عمري وهلك وما ان تطلعت للجزاء ورجوت البر والاحسان إذ بها بأنيابها تعضني وبأظفارها تجرحني وبنظرات القسوة والحدة ترمقني، اشتد عودها ونما ريشها فتخلت عني وأودعتني لدار المسنين وقطعت أخبارها وزياراتها وأهملت مشاعر الشوق المتأججة في قلبي تجاهها ومضت غير آبهة بقهري وحرماني وسهادي ودمعي وكأني دمية خواء لا قلب نابضا بين جنبيها وجوفها فراغ فهل يعقل أن ابنتي تراني لا شيء بعد كل ذاك الحب والعطاء؟!!