الليل على عاتقي دافئ ومع ذلك تتلوّى غبطة صديقي وهي مترفة النظرات تتأوه لتعبير حزين فقد تجرأ هذه المرّة وداعبني على غير عادته فقد فَقد أناقته حينما رأى شفقي تعلوه رياح الحزن والبؤس والشقاء فذهب إلى ذلك الفضاء البعيد في وحشته يراقب مرارة آلامي بعنفوان الإخلاص .. ذهب إلى فلاة قاحلة لا يزرع فيها إلا بقايا من أوراق الصبار وأزهار السلم ورؤوس التين الشوكي .. كان يعرف توأمة الحزن حين يعتري جزر البحر ويعتلي مده .. أخطبوط معاق في رحلة نسيان قاسية .. وكم كان يهدهد مزماره بحب العاشق الذي يرى حسنانه تداعب مالك الحزين برفق شديد وقد اشتد لون فرائه إلى ذلك اللون الشفقي الباهر بعد ولادة متعسرة أدمعت عين الشمس فأبكتها .. فجاء الحنان صارخاً من كل طيور البحر الأخرى علها تجد عندها ما فقدته في هجرتها من قفارها إلى بحارها ولكن هيهات أن يتسنى لها ذلك فهي لم تبرح مكانها ولا زالت نائمة في أعين عاشقها .. كانت ولا زالت مسام يديه تتصبب عرقاً كلما يصافح قوس قزحه .. كانت الفرحة في فؤاده موجودة منذ أمد بعيد لكنها ضاعت في زحمة أشواق اليأس .. تُرى من فعل به ذلك ؟ ! .. شفقي أم فرحته بشنق كلماته المرسومة باباء على زخات المطر .. حينها فرحت وزادت غزارتها بقدرة خالقها .. لقد أنكرت ذاتها على صدر المساء وتوشحت حرمان نجومها التي أبت في سرمدتها إلا أن تكون حارقة ولكنها كانت دوماً تحبو إلى جوانحي حانية .. ضاق ذرعاً بما تكتبه يداي ربما من شدة عشقه لي فأراد بأن يأخذني معه إلى فرحته التي يزرعها بيديه وبثقة الرجال .. إلى عالمه السعيد الهانئ .. أخبرته وصفحة وجهي لم تساعدني على إخفاء ابتسامتي الحزينة .. هل كل ماحولك يعطيك أمل الإبحار في ليالي الشجن ؟ .. هل تلمست اخفاقة الورد الحقيقي في زمن الألوان ؟ .. هل تعشق السلام وتصنع بيديك بندقية لتصطاد حمائم الحقول وعصافير الجبال البرية ؟ .. لم يتمالك حينها جرح زمنه فخرّ واقفاً كالنخلة في كبرياء مئذنتها التي غابت في عنق السماء .. وضع يديه الصادقتين على جبهته المخلصة وناظرني بأنفه الشامخ ورأسه الشاهق ولملم شفتيه بإنحناءه حادة وهمس في أذني صدقت ياصديقي فوجهينا لاتعلوها الأقنعة ويدينا نظيفة بيضاء لاتطغيها المادة ونحن فقط يترسب في قلبينا بوفاء حب ذلك الشفق وحب ألوان الرحيل !!!. ومضة :- من شعر محمود درويش : على قلبي مشيتُ ، كأن قلبي طريقٌ أو رصيفٌ أو هواء فقال القلب : أتعبني التماهي مع الأشياء ، وانكسر الفضاء وأتعبني سؤالُكَ : أين نمضي ؟ ولا أرضُ هناك ... ولا سماءُ