يذكر الانجليزي ولفريد ثيسيغر اهتمام عرب الصحراء بالأخباء وبراعتهم في الحصول عليها رغم اعتمادهم على (التناقل المباشر) وعلى طريقة (ما هي الأخبار)؟؟. الوسيلة الوحيدة والمتاحة لكل من يقابلك أو تقابله. حيث لا صمت.. ولا شيء تافه لا يستحق الرواية في عرف الصحراء كما يقول، وأدهشه قدرتهم على نشرها وانتشارها بسرعة فائقة إلى حد خشيتهم من الرأي العام وتناقل قصة العيب التي فرضت عادات الصحراء القاسية لشعورهم بأنهم دائماً إزاء مستمعين لهذا ربط قناعته ب (قصة معشي الذئب) أو مضيف الذئاب التي لم يتقبلها وهو يقول: في اليوم التالي رأينا بعض الخيام فقال حمد: لا أعلم من يكونون، وهكذا انحرفنا إلى اليمين كي نبتعد عن سكانها ولكن رجلاً أتى من بينهم وركض إلينا صائحاً: (قفوا.. قفوا) وعندما اقترب قال حمد: لا بأس.. انه سالم بن محمد العجوز حييناه فقال: لماذا تمرون بخيمتي؟ تعالوا، سأعطيكم سمناً ولحماً. عارضت ذلك بصورة غريزية إلا انه اسكتني بقوله وأقسم ان لم تأتون إلى خيمتي فسأطلق امرأتي، لم نشأ أن نحرجه برفضنا فأخذ عنان ناقتي وقادها صوب الخيام، ثم تقدم رجل عجوز وحيانا. وكان ذو لحية بيضاء طويلة وعينين رقيقتين وصوت هادئ. وكان يمشي منتصباً كما يفعل أهل البادية، قال حمد: هذا هو محمد العجوز. كانت الخيمتان صغيرتين جداً إذ يبلغ طولهما أقل من ثلاثة أمتار وارتفاعهما أربعة أقدام، وكانتا نصف مليئتين بالسروج، وثمة امرأة عجوز وامرأة أصغر وثلاثة أطفال أحدهم صغير عار. ذو أنف دقيق، وبهامه في فمه. وما فتئوا يراقبوننا ونحن نفك أحمالنا، كانت المرأتان تلبسان أثواباً زرقاء غامقة دون نقاب وكانت الصغرى جميلة جداً. نادى سالم العوف وذهبا معاً عبر التلال، وعادا فيما بعد مع جمل صغير ذبحاه وراء الخيام. في هذه الأثناء على الرجل العجوز القهوة ووضع التمر أمامنا لنأكل.. قال حمد للعجوز مشيراً إليّ: انه مسيحي.. فسأل العجوز، هل هو مسيحي الذي سافر في السنة الماضية مع ابن كمام وبني رشيد إلى حضرموت؟ وبعد أن أجابه بالإيجاب استدار إليّ وقال (ألف أهلاً بك) فتعجبت كيف وصلت الأخبار إلى هنا، مع اننا كنا بالقرب من الخليج العربي. إن ذلك يدل على اهتمام البدو بالأخبار والوقوف على آخر المعلومات وتحرك القبائل والمراعي. لقد تعلمت بالتجربة كم كانوا يحيدون على طريقهم ليسألوا عن الأخبار وكنت واثقاً من أن حرمان زملائي من هذه الأنباء بالاضافة إلى حرمانهم من الحليب هو الذي أضر بهم خلال الأيام الماضية إذ كنا نرى الخيام بعيدة ونتجنبها. والكل يكره السفر إلى بلاد مأهولة دون أن يعرف ما يجري حوله تماماً. ما هي الأخبار؟؟ انه السؤال الذي يتبع كل لقاء في الصحراء. حتى بين الغرباء، وإذا أعطي البدوي الفرصة بقي يثرثر ساعات كما فعلوا في الليلة الماضية، وليس عنده شيء تافه لا يستحق الرواية. فليس هناك صمت في الصحراء، إذا صنع الرجل شيئاً مميزاً فهو يعلم ان شهرته ستنتشر، وإذا صنع شيئاً معيباً، فهو يعلم أن قصة عيبه ستشيع بالتأكيد في كل مخيم. وهذا الخوف من الرأي العام هو الذي يفرض في جميع الأوقات عادات الصحراء القاسية، والشعور بأنهم دائماً إزاء مستمعين يجعل كثيراً من أعمالهم ذات لون مسرحي، وقد أخبرني الجنرال (غلوب) ذات مرة أن شيخاً بدوياً عرف ب (مضيف الذئاب) لأنه كان كلما سمع ذئباً يعوي حول خيمته يأمر ابنه بأن يخرج عنزة للذئاب مصمماً على ألا يترك أحداً يطلب منه طعاماً دون أن يجاب إلى طلبه. @ رمال العرب