عرفت الثقافة الأنجلوسكسونيّة وبعض الثقافات المرتبطة بها تحديدا مفهومين شاعا كثيرا خاصة في الأوساط الاجتماعيّة الراقية هما مفهوم السيدة "الليدي" "والجنتلمان" ويعني هذان المصطلحان لقبين اشتهرا في الخطاب العام بما يوصّف الرجل (الجنتلمان) بأنه ذلك "السيّد" المهذّب ابن الأصول و(والليدي) على أنها تلك السيدة النبيلة كريمة الخلق والأرومة. وفي انجلترا لا زالت تمنح ألقاب "الليدي" للسيدات ولقب "لورد" "للجنتلمان" الانجليزي وفق شروط وأعراف سارت عبر القرون. هذه المقدمة التوضيحيّة كانت لازمة لتوضيح بعض المظاهر (المراوغة أحيانا) التي يؤمل أن تكون بعض أجزائها بدايات ملامح تشكيل مجتمع عربي الكتروني يسوده "الاتيكيت" وما يتبعه من تهذيب يُرجى أن يكون عنوان حوارات العرب الالكترونيّة. وعلى الرغم من صعوبة التفريق في مجتمعاتنا العربيّة بين السلوك المهذب الذي يصدر عن بعض الناس كأسلوب حياة حقيقي مرجعه إيمان المرء وورعه، وواقع توظيف بعض قشور أدب "الجنتلمان" "والليدي" كتكتيك مرحلي (لزوم) الوجاهة الثقافيّة للكبار أو (المهايط) (والتميلح) الالكتروني عند الشباب (من الجنسين) كما هو الحال في بعض المنتديات الثقافيّة الحواريّة. لا تكاد تخطئ عين المتأمل في محتوى شاشة الانترنت العربيّة بعض مظاهر (تكلّف) قواعد التهذيب في الردود والتعقيبات الالكترونيّة التي تعقب وتتحاور في موضوعات هي في الأساس محل جدل وخلافات تخرج عن إطار الأدب والذوق العام كلما أثيرت في الحياة الاجتماعيّة الطبيعيّة. والأعجب حينما يٌطرح موضوع موقّع باسم نسائي إذ تدهش كيف تتقاطر الردود (الذكوريّة) المؤيدة متنافسة في تصيّد الكلمات المهذبة والعبارات الرقيقة مهما كانت الموضوعات (النسائيّة) حانقة خاصة تلك التي تنتقد مفاهيم ومسلّمات (مجتمعيّة رجاليّة) لا يمكن التنازل عنها حيال المرأة. ترى هل هذا التهذيب (الافتراضي) عاكسا لواقع المجتمع، أم أن الأسماء التي وقعتها تعاني انفصاما في الهويّة بين (اتجاهات) صارمة تروّجها في مجلس (الجماعة) (و آراء) متسامحة تتطارحها في (منتدى الشلة) الالكتروني. هل يمكن للمرء أن يملك ويروّج رأيين متناقضين حد التطرف في مسالة واحدة؟ هل نخشى التصريح بآرائنا الحقيقيّة ونظهرها تحت الشمس - إن كان الأمر كذلك - فممن ومما نخشى؟ وما (مرجعيات) آرائنا المتشددة (وسط) مجتمعنا؟ وما (موجهات) أفكارنا المتسامحة! وسلوكنا (المهذب) ونحن نتحاور حول ذات القضايا على شبكة الانترنت؟. ليس مهما أن تؤسس مدونة أو منتدى الكترونيا وتطرح (علنا) آراءك ورؤاك مستشهدا بعبارات "لوك" و"روسو" أو توقّع تعقيباتك بأمثال وتجليات "مونتسكيو" "وفولتير" لتظهر نفسك في قافلة التنوير في حين تمارس (سرا) قمع المخالف بأشنع العبارات والتصرفات..مهما برعت فهذا لن يمنحك صفة (الجنتلمان). والسؤال هنا.. هل كل (هو) قادر على الإسهام في نقل سلوك (الجنتلمان)؟ و هل كل (هي) مستعدّة لإعادة تصدير تهذيب (الليدي) من فضاء الشبكة إلى واقع المجتمع العطش إلى كل قطرة أمل في حوار ناضج ورأي صائب؟. من جهة أخرى هل يمكن أن ننطلق من حاجات الناس ونؤسس لثقافة التصالح مع المختلف ونرعى مبادرات التعايش مع المخالف؟ نعم يمكننا ذلك شريطة عدم التفريط في (ثابت) أو الإفراط في (متحول) استجابة لضغط داخلي مأزوم أو دفعا لمغالطات خارجي متربص. إن لم (تفعلي) وان لم (تتحرك)، إلا يحق لنا حينها على الأقل أن نسأل كل "ليدي" الكترونيّة وكل "جنتلمان" الكتروني: من يخدع من على شبكة الانترنت؟ مسارات قال ومضى: حينما تتجول في (حدائق الأمل) فلن تعدم استنشاق (ورده)، وان اخترت التيه في (صحارى اليأس) فلن ترى سوى (السراب).