يتذكر الكثيرون الممثل الأمريكي دينزل واشنطن وهو يؤدي أحد أجمل أداوره في السينما، دور الملاكم روبين كارتر الشهير بالإعصار، هذا الفيلم الذي أخرجه نورمان جيوسون عام 1999م، والذي ترشح واشنطن عبره لجائزة الأكاديمية الأمريكية لأفضل أداء تمثيلي لرجل، بشكل أو بآخر كان نسخة مصورة متسعة الرؤية عن أغنية "الإعصار" لبوب ديلان"، ولذا كان من الطبيعي أن يستفتح الفيلم أحداثه بها. لا يمكن أن تصنف هذه الأغنية على أنها عمل احتجاجي فقط، فبخلاف أنها نوع استثنائي من الأغاني الاحتجاجية لأنها تتكلم عن شخص بعينه، إلا أنها ذات نفس فريد في قصيدتها الغنائية التي تشارك في كتابتها كل من ديلان وجاك ليفي. كتب ديلان الأغنية إثر إرسال روبين كارتر إليه، نسخة من سيرته الذاتية "الجولة السادسة عشرة"، لمعرفته بالتزام ديلان لحركة الحقوق المدنية، قرأ ديلان السيرة التي كتبها كارتر بعد أن قضى في السجن ثماني سنوات منذ عام 1966م، في العام اللاحق 1975م أذيعت الأغنية وبيعت منفردة محققة سمعة ظلت تلاحقها طوال العام، ولتبقى أحد أشهر أعمال ديلان، وأحد أعظم الأغاني التي عرفها الغرب الأمريكي في العصر الحديث. تحكي كلمات الأغنية بشكل سردي أخاذ، كيف تم اتهام كارتر في قتل ثلاثة أشخاص بيض في أحد بارات مدينة باترسون بولاية نيوجيرسي، التمييز العنصري واختلاق الأكاذيب والظلم وانعدام العدالة بسبب اللون وشخصنة القضاء، معان استطاع ديلان تفصيلها بطريقة جميلة لا تستطيع أثناء قراءة الكلمات استيعاب القدرة التي مكنت ديلان من حشدها في أغنيته، الأسلوب السينمائي الذي اعتمده في رواية الأحداث كان شيئاً مبتكراً في ذلك الوقت، وقد عرف عن ديلان حبه للأفلام وأداؤه بطولة بعضها. تبتدئ الأغنية بعزف هادئ على الجيتار الهوائي كعادة ديلان، لكنه يستفيد بشكل مساند جداً على عزف سكارليت ريفرا على الكمان، هارمونيكا ديلان تختتم الأغنية، وعلى الرغم من أن الكلمات كانت أقوى من أن يحتويها أي لحن، إلا أن ديلان استطاع احتواءها بإتقان، وبسبب خصوصية الأغنية وكل ما حولها، فإن القليل حاولوا إعادة تسجيلها. كارتر وصديقه جون آرتيس حوكما أربع مرات بالسجن مدى الحياة، على الرغم من تقديم محامي الدفاع الكثير من الوثائق التي تبطل الأحكام، لكن الأمر لم يتغير مطلقاً، ومع ضربة ديلان، أعيدت المحاكمة لكن كارتر حوكم بقرارين آخرين للسجن مدى الحياة، ديلان لم يحضر تلك المحاكمة ولم يغن هذه الأغنية مطلقاً منذ 1967م، بعد صدورها في ألبوم "رغبة"، بالنسبة لكارتر فقد تم إطلاق سراحه عام 1985م بحسن السلوك، وفي عام 1988م تم إسقاط كل التهم ضده. من كلمات الأغنية: الأمور في باترسون تسير على نحو ما يستحسن ألا تظهر في الشوارع إذا كنت أسوداً إلا إن كنت ترغب في استجلاب الحرارة روبين كارتر كان يطيح الرجل بقبضة واحدة لكنه لم يكن يحب الحديث عن ذلك كثيراً "إنه عملي" كان يقول "أفعله ليدفع لي" "وعندما ينتهي الأمر سأمضي في طريقي" "نحو نعيم ما" "حيث أسماك التروات تتقافز في الجداول" "ممتطياً جوادي أقتفي أثر الطريق" لكنهم قادوه إلى الزنزانة حيث يحيلون الرجل إلى فأر أوراق روبين كانت مقروءة الطالع من قبل كانت محاكمته سيرك خنازير ولم تكن له فرصة اختار القاضي شهود كارتر من حثالة الأحياء المعدمة بالنسبة للبيض كان مجرد متسكع ثوري وللسود كان مجرد زنجي نزق لم يشك أحد بأنه ضغط الزناد وبما أنهم لم يستطيعوا حصر السلاح أثبت التحري بأنه هو من قام بكل ذلك وهيئة المحلفين من البيض فقط وافقت روبين كارتر حوكم ظلماً صنفت جريمته من الدرجة الأولى، ويمكنك أن تخمن من شهد ضده؟ بيلو وبرادلي وكلاهما كذبا بصفاقة الصحف امتطت هي الأخرى الموجة كيف يمكن أن ترهن حياة إنسان في راحة هذه الأيدي الحمقاء؟ رؤيته وهو يوضع خلف القضبان لا تساعدني سوى في الشعور بالخزي أن أعيش في بلد العدالة فيها مجرد لعبة الآن، كل المجرمين في معاطفهم بربطات أعناقهم بحرية يحتسون المارتيني ويتابعون شروق الشمس بينما يقرفص روبين مثل بوذا في زنزانة الأقدام العشرة رجل برئ في جحيم حي