عندما قام رائد الفضاء جون جلين برحلة إلى الفضاء منذ حوالي عشر سنوات، تساءل كثير من الناس عن إمكانية صمود هذا الرائد المسن. والذي كان يبلغ عمره آنذاك 77عاماً، وقد كان أول رائد فضاء مسن ينطلق في رحلة فضائية مع رواد فضاء أصغر سناً منه. وكانت تلك الرحلة مغامرة تنطوي على كثير من المخاطر، لكن شجاعة جون جلين وإصراره أقنعت الخبراء بالموافقة على تلك الرحلة. وخلال تلك الرحلة التي استمرت عشرة أيام خضع الرائد الشجاع لأبحاث مكثفة لكل جزء في جسمه والتعرف على أثر انعدام الوزن وبعض الأمور المتعلقة بتحمله لأعباء تلك الرحلة... وقد أسفرت تلك الرحلة عن حصول العلماء على معلومات مهمة ومفيدة لأطباء الفضاء وخبراء الشيخوخة.. كما أن ذلك أتاح لهذا الرائد المسن والشجاع الشهرة، ودخول تاريخ الفضاء والطب كأول رائد فضاء أمريكي يدور حول الأرض عام 1962م في شبابه وأول رائد مسن يقتحم الفضاء وعمره 77عاماً فقط!! وقد وجد من الدراسات أن ما يصيب الإنسان المسن من تغيرات في أعضاء الجسم مثل هشاشة العظام، وضعف المناعة واضطرابات النوم وبعض المشكلات المتعلقة بالذاكرة والعقل تشبه كثيراً التغيرات الناتجة عن العيش في الفضاء لفترة طويلة. ولذلك فهناك تعاون مستمر بين وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والمعهد القومي للشيخوخة وذلك لمعرفة أفضل الطرق للتغلب على مشكلة الشيخوخة، والعيش في الفضاء لرواد الفضاء. وبالرغم من مرور حوالي خمسين عاماً منذ اقتحام الفضاء وتحقيق أرقام قياسية للعيش في الفضاء، إلا أن هناك بعض المخاوف التي يشعر بها بعض خبراء الفضاء حول قدرة الجسم البشري على رحلة طويلة إلى بعض الكواكب مثل كوكب المريخ التي قد تستغرق حوالي ثلاث سنوات ذهاباً وإياباً وإقامة محدودة. ومن هذه المخاوف أن هذه الرحلة الفضائية لفترات طويلة لا تقتصر فقط على هشاشة العظام وضعف العضلات بل تمتد إلى بعض الاضطرابات العقلية، خاصة ضعف الذاكرة وقدرة الإنسان على الإدراك والتركيز، ويعود هذا إلى الإشعاع الكوني الذي يتعرض له رواد الفضاء خارج الغلاف الجوي الذي قد يكون له بعض النتائج السلبية. ومن ذلك ما تؤكده بعض التجارب التي أجريت على الفئران، حيث تم تعريض عدد من الفئران إلى نوع من الإشعاع يشبه الموجود في الفضاء، ولم يتم تعريض الفئران الأخرى لنفس الأشعة، وقد أظهرت النتائج أن الفئران التي تعرضت للإشعاع أدت (اختبار المتاهة) بشكل سيئ والذي يوضح انخفاض قدرات التذكر والإدراك لديها، كما أنها أخذت وقتاً أطول لكي تتعلم كيف تضغط على زر معين للحصول على الطعام بينما أدت الفئران الأخرى كل ذلك بشكل أفضل... إن تعاون وكالة الفضاء مع المعهد القومي للشيخوخة بأمريكا سوف يطور الأبحاث الخاصة بالشيخوخة بدءاً من المراحل الأولى حتى آثارها عندما يتجاوز الإنسان الثمانين من عمره، وهكذا سوف يستفيد علماء الشيخوخة بما حققه أطباء الفضاء من إيجاد عقاقير وأنظمة غذائية وتدريبات تحد من ضرر التغيرات الوظيفية لأجسام رواد الفضاء بعد عودتهم... ويمكن بذلك أن تعطي أملاً للإنسان أن يعيش شيخوخة سعيدة بلا أمراض... والله ولي التوفيق...