لم تنجح القمة، ولم تفشل إذ دارت جدلياتها على نفس المحاور، وحتى البيان الختامي جاء على نفس المنوال الذي اعتدنا تكراره في القمم السابقة، والمهم في الأمر أن دول الجامعة العربية محتاجة إلى مراجعة الأحوال السائدة، وتقويمها على اعتبارات المصلحة القومية، بعيداً عن التشرذم والاختفاء وراء عبارات أخرى، لأن الجو السائد يوحي بتراجع التضامن العربي، الذي شكل الاعتبار الأهم في حل التناقضات والوقوف من السلبيات التي لا تزال تتراكم وتتجذر.. قمة دمشق انتهت، وما بعدها ما يجب أن تتأسس عليه مرحلة مختلفة وبالاعتراف بأن واقعاً لا بد أن يتغير، والوسيلة الإيجابية أن نرى حجم القضايا من فلسطين للسودان، للعراق، وكذلك لبنان التي لها مخاطرها على الجبهة الداخلية لتلك الدول، وعلى مجمل الأمن العربي الذي عاد إلى نقطة الصفر نحو المتغير السلبي، لتأتي كإشارات تفرض أن نفكر ونعمل، وقبل ذلك نتحاور بلغة الشجعان الذين يواجهون أوضاعهم بمنطق المسؤولية لا غيرها.. نعم هناك خلافات على أصول، وليس على فروع، وهناك فراغ هائل تركته سلبيات المراحل السابقة، والدليل أن الجامعة العربية التي هي ممثل لكل دولة عربية باتت تحاصرها المشاكل وتلقى اللوم وأحياناً عدم الاكتراث، وفي هذا السلوك فإن كل دولة، أو هيئة تلوم الجامعة إنما تهجو نفسها لأن المفترض أن تقوِّم أسلوب عملها على ضوء ما تساهم به الدول الأعضاء، والتي عجزت أن تجعلها ممثلها ليس في الاجتماعات الطارئة أو القمم التي باتت بلا عنوان، وإنما ما تخلفه من انقسامات وتباينات.. الوضع العربي لا يعالج بالمسكنات، ولا بالقفز على الواقع، وإنما بالمكاشفات الصريحة، إذ بدلاً من أن نتعادى ونتقاطع على هوامش، لماذا لا نحاكم أنفسنا أسوة بالدول الناضجة، ليس بمبدأ التشفي أو التحامل حتى نصل إلى عوامل تربطنا بعقد أخلاقي ومعنوي، وحتى لا نصل إلى مرحلة التشاؤم هناك قضايا مرتبطة بدول عربية عرقلت حلولها، وهناك تصفيات لحسابات طويلة، وبدون أن نبني قواعد عمل مشترك بلا حسابات أو خيارات الرفض لمسائل جوهرية، فإننا لا نستطيع بناء عوامل الثقة التي تساهم بإيصالنا إلى نقاط التلاقي بدلاً من الافتراق، والتحدي هنا ليس صراعاتنا مع الخارج، والذي ظل منتصراً علينا نتيجة خلافاتنا، وبعدم خلق عوامل النجاح بمبدأ إرادة التصميم فإننا سنستمر في الدوران في نفس الحلقات، وستفشل اللقاءات والقمم، وكل المساعي الحميدة وغيرها. ونعود لنقول في بياناتنا الختامية، إننا نجحنا ،بينما الصحيح كان الفشل أكثر وضوحاً من تغطية حقيقة مالا يقبل التبرير.. كل القضايا في قمة دمشق حاضرة، وحتى محاولة إخفاء بعضها أو إقصائها من المناقشات كانت عامل تجاذب حاد مما أعطى للواقع العربي صورته السلبية، ومع ذلك فمؤشرات عكس الصور المتضادة ربما يرفع مستوى التفاعل بين الدول العربية، ويبدد بعض الظلام السائد في أجوائنا، ولكن ذلك مرهون بإرادة العمل، لا دبلوماسية التصالح التي تفضي إلى هدنة يعقبها خلاف..