سوق تجارة التجزئة في المجتمعات الاستهلاكية ذات الكثافة السكانية مثل ما هو لدينا في المملكة تعد سوقاً كبيرة نظراً لاستقطابها الجزء الأكبر من المصروفات اليومية للناس، وسوق التجزئة في المملكة تحديداً تعتبر من أهم الأسواق في المنطقة بسبب معدلات النمو العالية في هذا السوق التي وصل حجمها في عام 2007م تسعين مليار ريال متجاوزة التوقعات التي سبقت ذلك التي لم تمنح السوق في ذلك العام أكثر من سبعين مليار ريال مما قاد إلى التفاؤل لدى المهتمين بهذه السوق بأن يصل حجمها في عام 2012م إلى أكثر من 130مليار ريال. وسوق تجارة التجزئة بوجه عام كما يشير المختصون بهذا المجال لا تحتاج معظم فرص العمل المتاحة به إلى شهادات علمية أو خبرات فنية أو مؤهلات عالية، لذلك تعد هذه السوق وفقاً لهذه النظرة أكبر حاضن للفرص الوظيفية في سوق العمل وخصوصاً في المملكة، حيث تكشف الدراسات بأن فرص العمل في سوق التجزئة بالمملكة خلال السنوات الخمس المقبلة تتجاوز ستين ألف فرصة عمل وظيفية ان لم تزد عن ذلك لاسيما حينما ندرك بأن عدد العاملين بهذه السوق يتجاوز مليوناً وأربعمائة عامل نسبة السعوديين منهم لا تتجاوز 13%. وسوق تجارة التجزئة كما يصنفها المتخصصون في مجال التسويق تنقسم من حيث انفاق المستهلك للحصول على السلع بها إلى أربعة أقسام الأول منها سوق المواد الاستهلاكية المنزلية من مواد غذائية ونحوها الثاني منها سوق المطاعم وأماكن الترفيه، الثالث سوق الملابس والأحذية والأجهزة الالكترونية والرابع سوق الأدوات المدرسية والمكتبية. وإلى وقت قريب وبالتحديد في المدن الكبرى والرئيسية في المملكة ظل يتنازع النوع الأول من سوق تجارة التجزئة وهو سوق بيع المواد الاستهلاكية المنزلية من مواد غذائية ونحوها الذي يبلغ معدل نموه السنوي 5.6% نمطان من الأسواق الأول هو الأسواق التقليدية المتمثلة في البقالات المنتشرة على امتداد الطرق والشوارع الرئيسية، والثاني هو الأسواق المركزية الحديثة (الهايبرماركت والسوبر ماركت والميني ماركت) حيث كانت معظم الأسر والأفراد في الماضي يشترون أغراضهم وحاجياتهم من البقالات فيما كانت حصة الأسواق المركزية محدودة جداً إلاّ أننا نرى الآن تحولاً كبيراً من الشراء التقليدي إلى الشراء من الأسواق المركزية، حيث تشير الاحصاءات المنشورة ان نسبة المستهلكين الذين يشترون من الأسواق المركزية تبلغ 35% ومن المتوقع ان ترتفع لتصل تلك النسبة إلى 60% خلال السنوات القليلة القادمة، بينما لا تستقطع البقالات سوى نسبة قليلة لا تتجاوز 6% فقط من حجم سوق التجزئة والسبب في ذلك يعود بشكل رئيسي إلى زيادة عدد منافذ البيع للأسواق المركزية عما كانت عليه في السابق وإلى توفر أجواء التسوق المريحة من مواقف سيارات كافية وفراغ تسوق متعدد العناصر في بيئة مكيفة وآمنة وربما أسعار أقل من مراكز الجملة في حين ظلت مبيعات البقالات الصغيرة محدودة وتنمو ببطء رغم عددها الكبير وانتشارها الممتد داخل الأحياء. ونظراً لأن الأنماط الحديثة لسوق تجارة التجزئة تعد من أكبر مستخدمي الأيدي العاملة التي لا تمتلك الشهادات العلمية أو الخبرة الفنية أو المؤهل العالي، حيث تحتاج الأسواق المركزية من فئة (الهايبرماركت) التي تتراوح مساحتها ما بين 7- 10آلاف متر مربع إلى ما لا يقل عن 400موظف، بينما تحتاج الأسواق المركزية من فئة (السوبرماركت) التي تتراوح مساحتها ما بين 800- 3000متر مربع إلى ما بين 100- 200موظف فهي في الواقع ما يلائم ظروف المملكة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تستطيع إتاحة الفرصة للاستيعاب الوظيفي للكثير من الشباب السعودي ممن لا يحمل مؤهلاً علمياً أو تدريبياً للانضمام لسوق العمل، وهو في الواقع ما نشاهده حياً في الواقع لدي الكثير من أسواق تجارة التجزئة الكبيرة والضخمة في مدن المملكة الرئيسية وهي كذلك مما سيهيئ الظروف للتقليل من اعداد البقالات ومحلات التجزئة الممتدة على الطرق والشوارع الرئيسية لتصل إلى الحد الأدنى من الاحتياج إليها، وبالتالي تحقق التخلص من العمالة الوافدة غير المؤهلة الموجودة في تلك السوق والتي تمثل هاجساً اجتماعياً وأمنياً مقلقاً للمملكة وهو أيضاً مما سيحد من النزف اليومي للموارد المالية الوطنية التي تحولها تلك العمالة مما لا يتواءم والعائد الايجابي منها على المجتمع إن وجد وبالتالي إعادة ضخ تلك الموارد المالية في الاقتصاد المحلي. وأخيراً وربما ليس آخراً التهيئة التلقائية بموجب هذا التوجه في التخلص من أبرز العناصر التي تقف وراء الازدحام المروري وعرقلة السير على الطرق والشوارع الرئيسية وكذلك قيام ملاك العقارات على الطرق والشوارع الرئيسية بتحويل الحيز المكاني التي تشغله محلات التجزئة المنتشرة شريطياً بصورة مبالغ فيها إلى فراغات سكنية وهو ما سيفضي بصورة غير مباشرة إلى التوفير في استهلاك الطاقة التي تهدر حالياً، ويقلل من حجم التالف وما تنتهي صلاحيته من المواد الاستهلاكية المبعثرة على الآلاف من منافذ البيع المنفردة. @ أكاديمي وباحث في اقتصاديات التنمية الحضرية