هناك أمراض كثيرة تصيب الإنسان ويصعب حصرها منها ما هو مهم معرفته خاصة لدى عامة الناس، وحتى بعض الأطباء. تجد بعض الأطباء المتخصصين في جانب معين، يجهل الأمراض الأخرى في تخصصات أخرى. كما أننا في عيادة الرياض نركز على الأمراض التي تهم القارئ، وشائعة بين الأطفال. وفي جميع مناطق المملكة، ولأن مساحة المملكة كبيرة جداً، تجد أن هناك أمراضا تكثر في مناطق معينة نتيجة لتوفر البيئة المناسبة لانتشار مرض ما. وسيكون حديثنا اليوم عن مرض ينتشر في جنوب المملكة ويصاب به المسافرون من سعوديين وغيرهم أثناء عودتهم من المناطق الموبوءة بهذه الأمراض. وللأسف الكثير من المسافرين لا يتخذ الاحتياطات اللازمة من تطعيمات أو أدوية وقائية قبل سفره بمدة كافية. وقد ذكرنا ذلك في مقال مفصل وما هي التطعيمات الضرورية وكذلك الأدوية الوقائية ضد بعض الأمراض ومنها الملاريا. فما هو داء الملاريا؟ الملاريا هو داء حاد أو مزمن أحيانا يسببه طفيل الملاريا ويتميز بنوبات من الحرارة الشديدة والتعرق والتعب وفقر الدم وضخامة الطحال. ويؤدي أحياناً إلى الوفاة إذا أصاب المخ وعدم المبادرة بعلاجه فوراً. لقد لعب داء الملاريا وما زال دوراً كبيراً في ا لتاريخ البشري إذ انه قد سبب أذى لعدد كبير من الناس أكثر من أي التهاب جرثومي أو طفيلي آخر. كما ان للملاريا أهمية بالغة اليوم في العالم النامي نتيجة لعدة عوامل منها الفقر وقلة الإمكانات للتصدي لهذا الداء كما سنذكر ذلك بعد قليل، ويحدث حوالي 300 مليون اصابة بحالة الملاريا وأكثر من مليون حالة وفاة سنويا. وتحدث معظم الوفيات الناجمة عن الملاريا عند الرضع والأطفال الصغار. ومع انه لا توجد في بعض الدول ملاريا مستوطنة كأوروبا وأمريكا إلا انه يحدث حوالي 1000 حالة مستوردة في أمريكا كل سنة فقط. كما انه يجب على الأطباء الذين يمارسون مهنة الطب في الأماكن غير الموبوءة أن يفكروا بتشخيص الملاريا عند أي طفل يعاني من الحمى والذي قد عاد من منطقة موبوءة بالملاريا خلال السنة السابقة لأن التأخر في تشخيص هذا الداء يمكن أن يكون شديداً يؤدي إلى الوفاة. مسببات الملاريا: تنجم الملاريا عن طفيليات تسمى المتصورات والتي تكون عادة في خلية الدم الحمراء وتنتقل إلى الإنسان عن طريق أنثى بعوضة الأنوفيل فقط، والتي تحتاج إلى بيئة مناسبة لها لكي تعيش وتتكاثر. وتنقل هذا الداء بعد ان يعيش هذا الطفيل في داخل البعوضة ويمر بطور ودورة حياة معقدة، بعدها يصبح طفيلا آخر يصبح بعد دخوله دم الإنسان مرة أخرى من البعوضة قادراً على عمل دورة حياة أخرى داخل الإنسان ويسبب له المشاكل التي ستتضح في الأعراض بعد قليل. هناك أربعة أنواع من الملاريا. وبما أن تفاصيل دورة حياة طفيل الملاريا في الإنسان والبعوضة معقدة وتحتاج إلى تفاصيل لشرحها وكذلك أنواعها فسنركز على كيفية انتقالها ومدى انتشارها وكيف تسبب المرض والمظاهر السريرية له وكيفية التشخيص ثم العلاج والوقاية. مدى انتشار الملاريا: تنتشر الملاريا وتعتبر مشكلة في جميع انحاء العالم. تستوطن في قارة افريقيا، ومعظم مناطق آسيا وأمريكا الجنوبية. وقد أمكن التخفيف بشكل كبير في الكثير من دول أمريكا الشمالية والأوروبية، واستراليا وتشيلي واليابان وكوريا ولبنان وتايوان نتيجة لجهود مضنية ومدروسة. كيف ينتقل داء الملاريا؟ 1- يمكن أن ينتقل من خلال نقل الدم الملوث بطفيل الملاريا. 2- استعمال الإبر الملوثة وخاصة بين مستعملي المخدرات. 3- يمكن أن ينتقل من خلال زراعة الأعضاء. 4- يمكن أن ينتقل من الأم إلى الجنين. 5- أهم عامل لنقل الملاريا هو وجود أنثى البعوض والتي تعيش في مناطق معينة وتتكاثر في المياه الراكدة والجو الملائم لها. الأعراض والمظاهر السريرية: تظهر الأعراض بعد فترة حضانة «أي من دخول الطفيل عن طريق الدم أو عضة البعوض إلى ظهور الأعراض». إن فترة الحضانة هذه تختلف حسب نوع الملاريا وبعض المناطق ولكنها تتراوح ما بين «9» أيام إلى «9» أشهر أو سنة. ويعتمد ذلك أولاً على نوع الملاريا والمناعة الجزئية للطفل أو تناول الأدوية الوقاية الناقصة وأهمها عدم تناول الأدوية أو بالأحرى عدم الاستمرار عليها حين رجوعه من السفر والذي يركز عليه الأطباء دائماً. أول الأعراض وأهمها: الحمى والتي لها خاصية في معظم الأحيان حيث تكون حمى انتيابية تتناوب مع التعب ويتخلل ذلك تحسن نسبي ونادراً ما يرى مثل هذا في الأمراض الأخرى. ومن صفات هذه الحمى انه يترافق معها الحرارة العالية ارتعادات «نفضات» وتعرق وصداع وآلام عضلية وألم ظهري وألم بطني وغثيان وإقياء واسهال وشحوب وأحياناً يرقان وتحدث هذه النوبة من الحرارة المتميزة كل 48 ساعة في بعض أنواع الملاريا وتدعى «المتصورات النشيطة والبيضية» بينما يحدث كل 72 ساعة في حالة «المتصورات الملارية» ويؤدي إلى ارتفاع الحرارة كل يومين أو ثلاثة أيام. وقد تكون أقل وضوحاً في بعض الأنواع مثل حالة التصورات المنجلية والالتهابات «المختلفة». كما ان بعض المرضى قد يصابون بنوبات عرضية غير منتظمة لمدة 2 - 3 أيام قبل بدء الأعراض الحقيقية والانتيابات الحمية المنتظمة. وغالباً ما يكون لدى الأطفال مظاهر سريرية تختلف عن تلك الموجودة عند البالغين. وإن المناطق التي تكثر بها الملاريا تصاب الأم الحامل قبل الولادة أو أثناء الولادة مما يسبب اسقاط الطفل العفوي أو الولادة المبكرة للجنين، أو نقص النمو ضمن الرحم أو موت الوليد، وتحدث العلامات والأعراض الأولى بشكل كثير الشيوع في الأيام 10 - 30 من العمر، ولكنها يمكن أن تموت بعد 24 ساعة من الحياة أو بعد عدة أشهر من العمر. وتضمن الأعراض والعلامات في الوليد كلاً من الحمى والتململ وعدم الراحة والتعب والشحوب، واليرقان والتغذية السيئة. والإقياء والإسهال والزرقة وضخامة الطحال والكبد. تكون الملاريا خلال الحمل شديدة غالباً وقد يكون لها تأثيرات جانبية غير مباشرة على الجنين أو الوليد من خلال مرض الأم أو المشيمة في غياب انتقال الطفيل من الأم إلى الجنين. التشخيص: يجب على الطبيب المعالج أن يتوقع إصابة الطفل بالملاريا إذا ظهرت الأعراض التي ذكرت وأهمها الحرارة المتميزة ودعم ذلك بقصة سفره إلى المناطق الموبوءة داخل أو خارج المملكة. لقد تطور الطب وأصبح الكشف على الملاريا سهلاً، فقط في المختبرات التي يتوافر بها أُناس لهم خبرة في هذا المجال الذين يبذلون جهداً مضاعفاً للكشف عن طفيل الملاريا. وفي حالة عدم رؤيته فلابد من إعادة تحليل الدم كل 4 - 6 ساعات وعدة مرات وربما لعدة أيام (وغالباً على مدى 3 أيام). هناك اختبارات جديدة وحديثة جداً يمكن أن تكشف لنا الإصابة بالملاريا. ولكنها لا توجد إلا في أماكن متخصصة. الأمراض المشابهة: ويقصد بها الأمراض التي قد تشابه الملاريا وفي اعراضها خاصة في أول زيارة للطبيب ومنها الالتهابات الفيروسية كالانفلونزا والالتهاب الكبدي والالتهابات الأخرى مثل الالتهابات الرئوية والسحايا والدماغ والمعدة والأمعاء والكلى، والحمى الصفراء والتيفوئيد وخراجة الكبد وغيرها. العلاج: إن علاج الملاريا معقد حيث لكل نوع من أنواع الملاريا علاج معين، كما أن وجود أنواع كثيرة من الملاريا تقاوم الأدوية الموجودة مما يضطر إلى استخدام أدوية أخرى قد تكون غير متوافرة. أو غالية الثمن أو خطرة إلى حد ما. كذلك فإن الأطفال لهم نظام خاص في العلاج من ناحية الجرعة واختيار نوع العلاج وخاصة في حالة وجود بعض الأعراض الأخرى مثل فقر الدم أو الإقياء أو الإغماء وغيرها. ويمكن علاج الملاريا خارج المستشفى. المضاعفات: خطورة المرض ومضاعفاته كثيرة ولكن سنختصر ونذكر المهم والخطير كي ينتبه إلى ضرورة سرعة المعالجة ونوعها لإنقاذ المرضى. 1 - الملاريا الدماغية: وهذه من أخطر مضاعفات الملاريا المنجلية وهي شائعة عند الأطفال وكذلك البالغين غير الممنعين (ليس لديهم مناعة). قد يصل معدل الوفيات إلى 40٪ ولكنها نادراً ما تسبب عواقب طويلة الامد إذا عولجت بشكل ملائم وسريع. ومن اعراضها نقص وعي الطفل وربما تتطور إلى التخليط الذهني والهذيان والهلوسة والسبات العميق والإغماء. 2 - القصور الكلوي: وهو من المضاعفات الشائعة للملاريا المنجلية وقد يحتاج المريض إلى الغسيل الكلوي البريتوني الدموي. 3 - فقر الدم نتيجة لتحطم خلايا الدم الحمراء. 4 - نقص الصفيحات الدموية. 5 - تمزق الطحال وهو من المضاعفات النادرة الحدوث ولكنها قد تحدث خاصة أثناء فحص الطبيب بطن الطفل وتحسس الطحال بطريقة عنيفة حيث يسبب نزيفاً داخلياً ويودي بحياة الطفل إلا إذا تم استئصال الطحال سريعاً. 6 - الملاريا الصاعقة: وهذا شكل نادر من الملاريا المنجلية الذي يترافق معها التهاب صاعق وهبوط في الضغط والحرارة مع نبض ضعيف وسريع وتنفس سطحي وشحوب ورهط وعائي وقد يحدث الموت في غضون عدة ساعات. الوقاية تشمل الوقاية من الملاريا بالتقليل من التعرض للبعوض الناقل للملاريا واستخدام الوقاية الكيماوية لزائري المناطق الموبوءة. أولاً: التقليل من التعرض للبعوض 1 - عند الذهاب إلى المناطق الموبوءة يجب استخدام شبكة البعوض (الناموسية) أثناء النوم. 2 - رش المنازل والغرف بالمبيدات الحشرية عند هبوط الظلام. 3 - أثناء النهار يجب تغطية الاذرع والافخاذ مع إدخال البنطال ضمن الحذاء لتغطية جميع الأطراف السفلية. 4 - استخدام منفرات البعوض التي توجد في الصيدليات على الملابس والجلد. وبعض الأنواع يحتاج إلى التكرار كل 1 - 2 ساعة. 5 - عدم إخراج الطفل خارج المنزل من الغروب إلى الفجر. 6 - يجب أن لا ننسى احضار الطفل إلى الطبيب في حالة الاشتباه بتعرضه للملاريا. ثانياً: الوقاية الكيماوية ويقصد بها استخدام أدوية مضادة للملاريا قبل الذهاب أو السفر إلى المناطق المشتبهة بوجود الملاريا فيها حيث يجب على الزائرين كباراً وصغاراً البدء بالوقاية الكيماوية قبل السفر بأسبوع أو أسبوعين وفي بعض أنواع الأدوية يبدأ قبل السفر بيوم أو يومين. والأهم هو الاستمرار في تناول الدواء بعد الرجوع من السفرة لمدة 4 أسابيع على الأقل بعد المغادرة. وأخذ الحيطة عند ظهور أعراض الملاريا بعد الرجوع من السفر بمراجعة الطبيب واستبعاد حدوث ذلك المرض أو غيره.