لم تكن خاتمة حياة الشاعر عبدالوهاب حسن المهدي ( 1358- 1406) الذي توفي برفقة عائلته محترقا، إثر حريق هائل التهم كامل منزله الواقع في مدينة القطيف أفضل حال من شعره المباع بريال واحد فقط، إذ عبر غير شاعر عن دهشتهم لسعر الديوان المطبوع حديثا، فقال الشاعر حسين اللباد: "حين رأيت السعر لم أصدق"، متسائلا "أهكذا تكافأ الدواوين في القطيف". فيما عبر الشاعر محمد الحمادي عن صدمته لسعر الديوان، فقال: "سعره مثل صدمة لي، خصوصا أنه شاعر موهوب جدا لم ينل نصيبه من الإعلام"، وعلمت "الرياض" أن سعره جاء ليحفز القراء على قراءة هذا الشاعر، الأمر الذي لم يرق للحمادي، إذ رأى توزيعه مجانا أجدى من إهانة الشعر من طريق تخصيص مبلغ زهيد جدا. والديوان الذي جمعه وأهتم بطباعته الشاعر عدنان العوامي، وقدمه الشاعر الأكاديمي محمد الشماسي عثر عليه بين بقايا رماد النيران التي أجهزت على نحو خمسة دواوين أخرى كان المهدي ينوي طباعتها، بيد أنها ماتت للأبد، ما جعل المهتمين بشعره يجمعون على اختيار "بقايا الرماد" ليكون عنوانا لديوانه اليتيم الذي لم يعرف هو أن مآل شعره سيكون مرتبطا بما حصل له ولزوجته وأطفاله الأربعة، إذ قضى جميعهم نحبه حرقا من دون أن يستطيع أحد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي هذا الصدد يقول الشاعر محمد الشماسي: "في فجر ليلة الثلثاء السابع من شهر صفر 1406أحاطت النيران المنزل من جميع الجهات، ولم يستطع أحد فعل شيء"، مضيفا "كنا أصدقاء للشاعر نجلس في بيته الشبيه بالصالونات الأدبية في بيروت، وكلنا نلتقي، وهناك من يهذي شعرا، ونثرا، ومن الحضور من يعنى بالقراءة والثقافة العامة". والديوان الحاوي ل 26قصيدة يطرق جانبا إبداعيا واحدا، إذ يسير في قصائد الحب (الغزل)، وكأن النيران لم تستطع أن تلتهم حرارة عواطف العاشق لمعشوقته، ف"الشاعر ينشد امرأة يبدو أنه افتتن بها، فألهبت عواطفه". حسب الشماسي الذي أضاف "أخذها إلى آفاقه الساحرة، فطاف بها على شاطئ ذكرياته حينا، والتقى بها على الرصيف تارة، وعند المنعطف تارة أخرى". وزاد "قضى شاعرنا نحبه وهو في ربيع الشباب يبث حبيبته (ابنة العشرين)، وكله أمل وشوق انتظارا لموعد في دنيا الألوان، أو في عرس الطبيعة". ويؤكد العارفون بشعر المهدي تطرقه إلى مجالات إنسانية عدة، بينها الاجتماعي والوجداني وصولا للفكاهي، ورأى الشماسي أن تطرق الشاعر لغير موضوع أدبي "يجعل منه متجانسا في شكل موضوعي"، مستدركا "شاءت الأقدار أن لا نعثر، إلا على قصائد الغزل، ليكون الوحدة الموضوعية المتجانسة"، مشيرا إلى احتراق "المسلك" في جمر اللهب، ف"فاح شعر الهوى والشباب، وتضوعت أنفاس الشاعر بأطايب المعاني ورقيق الشاعر". وحين تتصفح أوراق الديوان الملتهب الأحاسيس تجد العذوبة والرقة في تعابيره الرشيقة، خلافا لبعض شعراء القطيف في تلك المرحلة الزمنية التي دوِّنت فيها دواوين كثيرة هي أقرب للعصر الجاهلي من ناحية الصورة وتوظيف اللغة، ويقول الحمادي: "قرأت ديوانه كاملا، فرأيته متمردا، ومتقدما لأقرانه في تلك المرحلة الزمنية التي لم تخل من أسماء شعرية كبيرة"، مشيرا إلى أن المهدي شاعر مغمور. ومن قصائد الديوان "أمل" التي يقول فيها: "فرحة العمر بالأماني العذابِ يوم ألقاكَ يا ربيعَ شبابي يا ربيعَ الشباب في عُمر ذاتي أنتَ لي مُنتهى المنى والرغابِ" . ورغم أن الشاعر كتب قصيدته عام1385للهجرة، إلا أنه استطاع توظيف المرأة في شكل إبداعي ملفت، إذ جعل "الحب" على لسان معشوقته، وكأنه يقف في صورة متمردة في بيئة شديدة المحافظة لا تستطيع المرأة فيها الحديث عن الحب وفلسفته، بل تخشى الخوض فيه مع جنسها، ناهيك عن توظيفها شعريا في نص مبدع. ولا يقف تمرد الشاعر عند حدود البيئة التي كسرها شعريا، إذ يقول في قصيدته: "إلى ابنة العشرين" جاوزتِ في الدرب المدى حتى أثرتي بيَ الظنونء ومددتِ لي بنظر البتولِ تخاف من سَرَف العيون أوليس للحظِّ الجميلِ مداهُ في لغة العيون" ولا تتوقف القصيدة الرقيقة جدا، بل يجادل ابنة العشرين: "هذا التصنع في الكلامِ معَ الوليدة ما يكون" ولعل قصيدة ابنة العشرين من أروع قصائد الديوان، وبخاصة أن إيقاعها لم يخل من تحول من الشعر العمودي للشعر الحر. أما قصيدته "قطيفية"، فعبر فيها عن مشاعره التمردية في شكل واضح، إذ قال: "وتواريتِ خلسة لا نبا منكِ، أو خبرء وتحجبت بالغيابِ وأسرفتِ في الحذرء دونكِ الباب موصد أم ترى كنتِ في سفر، فانطوى سفرُ حبّنا بعد ما ذاعَ وانتشر". وحولها قال الجمادي: "هي من أكثر القصائد تمردا في الديوان، فهي تشرح كيف تعاني المرأة".