غيوم ملبدة تملأ كبد السماء.. برق ورعد.. خوف من ذلك المجهول يتصدر قلوب الجميع ، دموع الأطفال ونحيب النساء يمتزج مع دعوات الرجاء من شيوخ تلك المنطقة ولازالت تلك الغيوم تتوالى والأمطار تنسكب بسرعة مذهلة ، صوت يجلجل في جل أرجاء المنطقة.. نعم هو صوت (منصور) ابن العم (سالم) يدعو الجميع إلى اجتماع طارئ. أخذ رجال المنطقة يتشاركون في نثر مخاوفهم فالأرض أخذت ترفض الماء فإن لم تبتلعه سوف تبتلعهم حتماً.. وبعد عزم منهم على الرحيل عن ذلك المكان بدت الوجوه سوداء والكل ينظر لمأواه مودعاً.. فقد ألفوه رغم بساطته فما هو سوى ألواح قديمة من الخشب المرصوص لا تمنع عنهم الماء فقد أرادوا هجرها خوفاً من أن تسقط فوق رؤوسهم.. وقبل نهاية الاجتماع.. تفرقت الغيوم لتبدو وكأنها لم تكن.. انشرحت أسارير الجميع وزال القلق عنهم أخذت كلمات الحمد تتعالى في السماء.. فمنذ أسبوعين هذه الليلة الأولى التي استطاعوا أن يوقدوا فيها النار.. بدأ الرجال يذبحون الذبائح والنساء تعد الطعام والشيوخ مجتمعين يتحدثون عن حجم وقع المصيبة عليهم وكيف كانوا يفكرون في النجاة حين ينجرف سيل ذلك الوادي على أهله.. لا خوفا بدأ القمر محتفلاً بنوره معهم وهو يتوسط السماء ونوره يعم الارجاء. الكل بعد ذلك التذبذب يحلم بنوم عميق بعد الكابوس المزعج الذي استمر معهم قرابة الاسبوعين.. رحل القمر مودعاً تلك المنطقة تاركاً أهلها ينعمون بالأمان . في الثالثة عند الفجر.. انفجرت عليهم السماء بوابلها حتى طفحت المياه بدقائق قلة.. اخذ الهلع يحرك الجميع دون هدى في ذلك الظلام الحالك.. ضجيج يعم المكان.. صراخ وعويل.. دعوات متكررة بالويل والثبور.. الكل بادر بالفرار من ذلك المكان ما عدا (هيفاء) زوجة (عبدالحميد) التي أبت أن تخرج دون ابنها السابع الذي أخذت تبحث عنه دون جدوى حتى ابتلعتها المياه دون رحمة مع بعض الكهول الذين لم يستطيعوا الفرار عن ذلك السيل الجارف.. ورغم ذلك تبقى الحيوانات هي الضحية الأكبر في ذلك المكان حيث تركت حبيسةً بين تلك الألواح الخشبية وسلمت للموت دون أن تغتصب أرواحها بعناء حين لم تستطع الفرار مع من حالفتهم النجاة من أهل ذلك الواد