المواطنة والمحافظة على المكتسبات الوطنية وأمن الوطن واستقراره من أولويات الإسلام والدولة المسلمة، وقد وجدت مع أول أيام الهجرة،و بل مع بيعتي العقبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بايع الأنصار على أن ينصروه ويؤوه، لكنه عليه السلام لم يأخذ منهم فقط، بل أعطاهم، والتزم لهم بشروط منها انه التزم بمدينتهم. ثانياً: هاجر عليه السلام وفي المدينة وثنيون مساوون للمسلمين في العدد، ومع ذلك احتواهم حتى دخل أغلبهم الإسلام، وتحول البقية القليلة إلى منافقين.. كانوا يعادونه ويعلنون رفضهم، كما في قصة ابن سلول عندما قال للنبي عليه السلام "رأس الدولة" مستفزاً: "لا تغبروا علينا.. وقال أيضاً: أيها المرء انه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه - البخاري 4- 1663" ومع ذلك احتواهم. ثالثاً: وجد النبي عليه السلام اليهود يشكلون ميليشيات معارضة مسلحة ومدربة ومحصنة جداً، فتغاضى عن ذلك وشكل معهم وطناً واحداً، لهم فيه ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين بوثيقة وقع عليها الجميع، ومع ذلك استفزوه وشتموه وحرضوا عليه، فلم يحرك ساكناً حتى تحركوا عسكرياً وشكلوا خطراَ فعلياً، لا محتملاً على الدولة ومواطنيها مسلمهم ووثنيهم... رابعاً: ينسف النبي عليه السلام مقولة "أدونيس" وأمثاله من الجهلة بالتراث، والذي يدعي ان المواطنة في الدولة الإسلامية قائمة على الدين فقط، وان المواطن غير المسلم يقدم كل الواجبات مقابل بعض الحقوق، فيقوم عليه السلام بأخذ الزكاة من المسلمين، في الوقت الذي يعفي اليهود من كل شيء حتى الجزية، ويثري سلوكيات أمته مع الآخر فيعفي اليهود من واجب الدفاع عن المدينة رغم الاتفاق المبرم بينهم. خامساً: يؤكد عليه السلام مفهوم الوطنية بأرقى صوره، عندما يقوم بإسقاط الجنسية الوطنية - لا الاخوة الإسلامية ولا الرابطة العقائدية - عن صاحبيه "أبي بصير" و"أبي دجانة" رغم ثنائه على دينهما واخلاصهما وشجاعتهما في انتزاع حقوقهما بأنفسهما بعد صلح الحديبية.. يرفض صلى الله عليه وسلم ادخالهما ويحلا مشاكلهما مع جرائم قريش بأنفسهما، ويديرا أمورهما بأنفسهما بعيداً عن دولته الإسلامية. فعل عليه السلام ذلك بينما كان اليهود وعبدالله بن سلول وفريق عمله من المنافقين والوثنيين.. يتمتعون بحماية الدولة الإسلامية في المدينة، التزاماً ببنود صلح الحديبية الجائرة. هذا التمايز بين الوطنية والاخوة الإسلامية التي لها حقوق أخرى عظيمة، تمايز يسبق الإسلام به ويسمو حتى على الأنظمة الديمقراطية. على سبيل المثال: (الفرق بين المواطن الفلسطيني المسلم واليهودي المهاجر في واحة الديمقراطية "إسرائيل") ومع ذلك فإن الغرب الآن وليس الأمس.. الغرب بديمقراطياته، وفي آخر نسخها، يقف خلف إسرائيل كي تكون دولة يهودية "دينية" فقط، تمهيداً لطرد ما تبقى من الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين.