إن من توفيق الله تعالى لأهل هذه البلاد، أن خصهم بخدمة ضيوفه مرتادي المسجدين المكي والمدني، ولقد كانت هذه العناية بارزة منذ عهد الخلفاء الراشدين وبني أمية وبني العباس وآل عثمان ثم تحت مظلة حكم آل سعود وفقهم الله الذين وجهوا اهتماماً كبيراً للحرمين بناءً وإدارة وتعليماً والآثار بارزة لكل ذي عين ونظر. وإن المسلم ليقف متعجباً من المشاريع العملاقة في الحرمين المكي والمدني وما جاورهما والمشاعر المقدسة الأخرى، لاسيما التطور الكبير في مشعر الجمار قوة وبناء وجودة وأداء، وكل ذلك يتم بمتابعة جادة من ولاة الأمر في بلادنا الطيبة، سائلاً الحي القيوم أن يجزيهم التوفيق والبركة والسعادة في الدارين. ويلحظ المرتاد لتلك البقاع الطاهرة خاصة في رمضان والحج الجهود المبذولة من الدولة ممثلة بدوائرها المختلفة خاصة قطاعات الأمن العام والصحة وشؤون الحرمين والافتاء والشؤون الإسلامية والبلدية، ولاتمام صورة هذا الجمال وبلوغ قدر عال من الكمال أطرح بين يدي المسؤولين جملة من المقترحات: 1- أولها، حول الحرمين الشريفين وحدودهما وضرورة التوجه القوي الحازم لتهيئتهما للمسلمين بأسعار رمزية مناسبة، والأصل انهما حق لجميع المسلمين فلا يُملك فيها رباع أو دور وإنما أرضها لجميع المسلمين وما بني فلأجلهم، وعليه يرخص فيها الغذاء ويبذل فيها السقاء والماء، ولقد كانت هذه الخصلة المميزة موجودة حتى في قريش قبل الإسلام. 2- تهيئة المسجدين وتوسعتهما لتستوعب الأعداد المتكاثرة واننا لنشكر حكومة خادم الحرمين الشريفين على ما بذلته وتبذله في الماضي والحاضر من توسعتهما، لكن ما تم لا يغطي إلا أعداداً يسيرة لا تتجاوز 3ملايين في وقت واحد مع أن الأحرى أن يهدف لتغطية أعداد أكبر كنظرة مستقبلية تعمل ل 10ملايين، خاصة أن السبب الأكبر والمانع لتوسعتها (في مكة تحديداً) هو التملك المحدث حول الحرم، حتى علت الأبراج وضاقت الفجاج وارتفعت الأثمان على الحجاج، وصرنا نشاهد قيام الناطحات ملاصقة له فليتنا حينما نخطط للتوسعات أن ننظر إلى عشرات السنين القادمة، ولئن قيل أن هذه المباني تسهم في توفير السكن للقاصدين، إلا أنها في مقابل ذلك مرتفعة الأسعار، عدا عن تضييقها للطرق والسبل.. ومن الممكن حل ذلك بإبعادها عن المسجد الحرام، وتفعيل وسائل النقل خاصة القطارات. 3- المشاعر.. تشع صورة مشرقة بتنظيم المخيمات في منى ومشعر الجمار، وهذا يبيّن ان التجديد والتطوير موجودان متى ما وجد أناس صادقون جادون يعيشون هموم المسلمين وآمالهم.. فقد شاهدنا كيف مر الرمي في الحجين الماضيين بسلامة وسلاسة وروعة.. أليس في ذلك دلالة على امكانية النجاح؟ فليت المسؤولين ينقلوننا في السنوات القادمة إلى حل مشكلتين عالقتين أثرتا بوضوح على سير الحج وأدائه. @ الأولى: التنقل بين المشاعر لاسيما "النفرة من عرفة إلى مزدلفة" ثم من منى إلى المسجد الحرام! فمتى يحل إشكال السير ودوراته؟ ومع ذلك فلا ينكر شاهد جهود الأمن العظيمة، بل قد شاهدت ضباطاً وجنوداً لا ينامون إلا أقل من 3ساعات يلهثون لتنظيم الحجاج وتيسير أمرهم فجزاهم الله خيراً.. إلا ان ذلك يحترق في قضية النفرة، فبعض السيارات التابعة للحملات والحافلات مثلاً لم تصل إلى منى إلا قبيل ظهر العيد ولم تقف بمزدلفة!! وقد ناقشت أحد المهندسين المتخصصين فذكر أن هناك حلولاً لكنها تحتاج قراراً حاسماً وحازماً وهي القطارات من وإلى المشاعر ويرى أن تكون تحت الأرض كما في بعض دول العالم، وما فوقها يكون للخدمات المساندة والمحتاجين لها من دوائر وشركات ومحطات ويؤكد بأن ذلك سينجح بإذن الله ومما يسهم في نجاحه أن الله تعالى قد نظم السير في التشريع، فجعل يوم التروية يبدؤونه ب مكة -- منى -- عرفة، ثم الرجوع: عرفة -- مزدلفة -- منى -- الحرم المكي. مما يحقق انسيابية الحركة، وهذا من جمال التشريع وروعته. @ الأخرى: الطواف.. ولاسيما طوافي الافاضة والوداع وليالي العشر من رمضان.. وغيرها.. فالمطاف "الصحن" والأدوار تمتلئ جداً بل والسعي بين الصفا والمروة، والسؤال الذي يطرح نفسه إلى متى يظل هذا الوضع؟.. ولما لا يوسع الحرم قدر الموجود ثلاث مرات.. وتزال جميع الأبراج التي حشرته واغتالت الراحة فيه؟ 4- الأعداد: الملحوظ أن أعداد الحجاج منذ 30سنة تقريباً ما بين 2مليون إلى 3ملايين، وهذه النسبة لا تمثل إلا ربعاً من واحد بالمئة من مجمل أعداد المسلمين الذين تجاوزوا المليار وثلاثمائة مليوناً.. فلماذا لا يزاد أعداد الحجاج إلى 6- 8ملايين مرحلياً ويجهز لاستقبالهم بجميع الخدمات والدولة أهل لذلك وذلك لعدة أمور: @ أولاً.. لتزداد فرص كل مسلم في العالم للحج ومن ثم تقل أسعار تكلفة حجهم فمتى يحج المسلم إذا كان يحج 3ملايين، ما نسبتهم من مليار وثلاثمائة مليون؟ لو أخذنا واحداً في المائة فقط لخرج معنا 13مليوناً، وبعد ألف سنة يحج جميع المليار والثلاثمائة مليون وهذا على فرض أنهم لن يزدادوا!!، فكيف والحجاج الآن 3ملايين بحدود ربع من واحد بالمائة أي سنصل للمليار والثلاثمائة مليون بعد أربعة آلاف سنة!! @ ثانيا.. مورد اقتصادي كبير جداً للبلد فلو تصورنا أنه يأتي للحرمين الشريفين عشرة ملايين إنسان خلال أشهر السنة عمرة وحجاً فسيكون فيه عائد كبير للميزانية. @ ثالثاً.. استثمار سياحي رائع.. فبعض الدول الغربية والعربية والإسلامية من أهم استثماراتها السياحة كبريطانيا وفرنسا وتركيا وماليزيا ومصر وسوريا.. وهؤلاء لديهم أجواء طبيعية خلابة.. بينما نحن لدينا الأجواء الروحية والمشاعر الإلهية العظيمة تحن إليها أفئدة أزيد من مليار مسلم فهل هناك فعلاً أفكار جادة لاستثمار ذلك سياسياً وشرعياً واقتصادياً؟! 5- الإعداد قبل المجيء: ان هذا التجمع تجمع عظيم وكبير فإذا لم ينظم تنظيماً قوياً تكاثرت مشكلاته وتعقدت أموره.. والغلط البسيط في غيره كبير فيه سيما أنهم أمشاج مختلفة وثقافات متباينة وبيئات متعددة، ولأجل تقليل نسبة الخطأ والسعي لانجاح أكبر فمن المهم تفعيل سفارات المملكة وقنصلياتها بمكاتب خاصة تعنى بهذه الأنشطة الديني والسياحي والتجاري للاستثمار الصادق فيها ووضع تنظيم دقيق قوي عادل ومتطلبات لا يقصد بها جني المال وإنما بذل الخدمة وتوعية قاصدي الحرمين، وأطرح مقترحين جيد تفعيلهما أكثر لدى السفارات الخارجية كمتطلب أساسي لمن أراد الحج: @ البطاقة الصحية للكشف عن أي مرض معدٍ، وحسن لو بذلته السفارات السعودية "مجاناً". @ شهادات تدريبية بتفعيل دورات دورية متتابعة تجعل المشارك كأنه في الحرمين والمشاعر عمرة أو حجاً، مع فهم أنظمة المملكة العربية السعودية وأحكام الحج والعمرة، ويرفق لذلك حقائب تدريبية تحتوي على أقراص الليزر وأشرطة مصورة وكتيبات وحبذا الاستفادة من تجربة ماليزيا المسلمة في ذلك، التي نجحت أيما نجاح في تنفيذ هذا المقترح، ورأينا ذلك واضحاً في عمارهم وحجاجهم، وذلك لاجتماع حسن التعليم وجودة التنظيم. وهنا ألفت إلى نقطة مهمة، وهي أنني لا أطلب بكتابتي هذه حجاً لا مشقة فيه ولا نصباً، بل ذكر العلماء أخذاً من اسم بكة ومكة دلالة ملازمة المشقة والجهد والازدحام لمرتاديها، ونظراً لاجتماع الناس وتوعيتهم ثقافياً واجتماعياً وسلوكياً اضافة لطبيعة البلد الحرام جبالاً وودياناً، فالمشقة إذن شيء طبعي لمرتادي هذه البلدة المباركة غير أن تيسير السبل وإطابة المقام فيه من المطالب الشرعية وحاجة إنسانية وهدف وطني، وقد ورد في الشريعة الحث على عمارة المساجد وخاصة الحرمين، وتهيئة السبل لعابر السبيل وضيوف الله هم الخُلص من هؤلاء، وسقاية الحجاج والعمار ومن وفق لتسهيل ذلك وفق لخير عظيم وأجر كبير.. وكتطبيق لهذا المقترح أطرح فكرة عدد من المشروعات العملية لتنزيل ذلك واقعاً عبر نظام مؤسسي: - المشروع السياحي الديني للتعريف بالحج والعمرة طوال العام يشترك فيه هيئة السياحة، ووزارة الخارجية، والسفارات، ووزارة الشؤون الإسلامية.. وغيرها.. - المشروع التدريبي للحج والعمرة ومشاعرها، تقوم عليه وزارة الإعلام والحج والشؤون الإسلامية وغيرها.. - مشروع الأنظمة والقرارات الخاصة بالحج والعمرة مكتوبة ومراجعة وتوفر للجميع، حتى لا يفاجأ أصحاب الحملات وشركات الحج والعمرة بقرارات مفاجئة وأنظمة جديدة قبل الحج فتضطرب أمورهم نظراً للارتجال والتأخير! - وحبذا لو فعلت بقوة العلاقات والإعلام وادارات التدريب بالوزارات وتحركت الوزارات اللصيقة بالحجاج والعمار (وزارة الحج، شؤون الحرمين، الشؤون الإسلامية، السفارات). - ولو تم انشاء هيئة رسمية قوية ترتبط مباشرة بالمقام السامي لكان أنجح وأنفع باسم "الهيئة العالمية للحج والعمرة، تعليماً وتدريباً وتطويراً" تضم نخبة من الشرعيين والقانونيين والمهندسين والاداريين والسياسيين، وإنشاء مجمع عمليات وجعل عملهم عملاً دائماً مستمراً متابعاً ومقيماً ومطوراً، وستزداد قوة الهيئة إذا وزعت استبانة على الحجاج في نهاية أيام الحج، تكون تقييماً للأداء، وطلباً للمقترحات، ويمكن أداء ذلك عن طريق الحملات وبإشراف من الهيئة الرسمية، وستؤتي أكلها بإذن الله، إذ انها عصارة لآلاف العقول والثقافات. ان هذه الشعيرة العظيمة - الحج - ركن أساسي في الإسلام ولتشريعه حكم كثيرة لا يمكن احصاؤها فهو شعيرة عظيمة إذ تجتمع فيه مشاعر الأرض ومشاعر الإنسان ومشهد جلل ينقله الإعلام للعالم وهو صورة تنقل مشهدين.. مشهد المسلمين واجتماعهم ومشهد المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً.. فيظهر كيف يخدمون اخوانهم فرحين مستبشرين بضيوف رب العالمين.. وهو فرصة كبيرة للنقاش والحوار والتقارب بين شعوب المسلمين وأطيافهم وابراز صورة واضحة للآخرين أننا المسلمين أمة واحدة تجتمع من جميع أقطار العالم بجميع ألوانها ولغاتها.. في قبلة واحدة وهدف واحد وهو طاعة الله تعالى وعبوديته.. فهل نجني خير الحج والعمرة وثمارهما.. وهل توفق لتيسير ذلك لقصاده؟! هذا ما أطرحه لولاة أمرنا وفقهم الله تعالى، والله المستعان وعليه التكلان.. *المشرف العام على مركز وموقع حلول للاستشارات والتدريب