فوز هيلاري كلينتون بولايات أوهايو وتكساس ورود ايلاند ضمن الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لم يكن مفاجئاً، كما يحاول أن يصفه عدد كبير من المحللين. فمنذ انطلاقة الحملة الانتخابية والسيناتور كلينتون تتمتع بتفوق كبير في استطلاعات الرأي في تلك الولايات. ما استطاع بارك أوباما القيام به هو تقليص ذلك التفوّق أو مسحه كلياً قبل الأيام القليلة التي سبقت إدلاء الناخبين بأصواتهم، الأمر الذي أثار الرعب والخوف والارتباك في حملة هيلاري كلينتون التي كانت على يقين بأن خسارتها لولايتي أوهايو وتكساس تعني نهاية حملتها للفوز بالرئاسة. الحالة القريبة من اليأس التي تملكت الحملة جعلتهم يلجؤون إلى استخدام آخر سلاح في أيديهم وهو الهجوم السلبي وقذف خصمهم بكل ما يملكون من اتهامات وتشكيك وإثارة الشبهات. وهذا ما اعترف به قادة حملة كلينتون في لحظة صدق عندما صرّحوا "إننا سنرميه بكل شيء بما في ذلك حوض الغسيل في المطبخ"(مصطلح أمريكي يعني أنه في حالة اليأس تمطر خصمك بكل ما لديك وترميه بكل ما تقع عليه يدك بما في ذلك خلع حوض الغسيل وقذفه به). لقد قامت هيلاري كلينتون بما تعتقد أنه يجب عليها القيام به من أجل الفوز أو بالأصح من أجل وقف الخسائر والنزيف القاتل المستمر الذي كانت تعاني منه، شعارها النصر أو قتل الخصم مهما كانت الخسائر قد يسفر عنها هذا الأسلوب والتي قد تكلّف حزبها الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. كانت إستراتيجية كلينتون ولا تزال، حسب تصريح مصدر من داخل حملتها، لا بد أن "نثخن أوباما بالجراح" لكي نجهز عليه وهذا ما كان. وهذا ما حدث فأتت تلك الإستراتيجية اليائسة بالنتيجة المطلوبة وكانت النتيجة فوزها بولايات أوهايو وتكساس ورود ايلاند الثلاث بعد فوزه ب 11ولاية على التوالي. وهذا يجعل المحلل يتساءل عن قدرة السيناتور أوباما في الصمود أمام مثل هذه الهجمات والتصدي لمثل هذه الأساليب والرد عليها. الوصول إلى التساؤل هذا هو في حد ذاته أحد أهداف هيلاري كلينتون، فالتشكك في مدى قوته وقدرته على تحمّل الهجمات السلبية والرد عليها يهدف إلى الهمس بمدى "ضعفه" ولين عوده مقارنة مع قدرتها الفائقة على مواجهة الهجمات السلبية القوية والسيئة التي سيشنها الجمهوريون ضد المرشح الديمقراطي في الحملة الرئاسية العامة. لقد استخدمت هيلاري كلينتون عددا من التكتيكات السياسية السلبية التقليدية للنيل من خصمها، جاء بعضها في شكل هجوم مباشر وآخر في شكل إثارة شبهات وثالث في طرح نفسها كضحية ورابع في زرع شكوك حول أصوله. فلننظر إلى بعض ما استخدمته هيلاري من أساليب: أسلوب التقريع "عيب عليك يا أوباما عيب عليك" من أجل تصغيره في عيون الناخبين وتعنيفه بأسلوب أبوي يجعل من يسمعه يشعر بأنه ولد شقي مشاكس وحسب. أسلوب الإيحاء بأنه يمكن أن يكون مسلماً، بتسريب حملتها لصورته باللباس الكيني التقليدي، ثم بتهربها من الإجابة الصريحة عن ديانته عند سؤالها من قبل شبكة سي بي إس عما إذا كانت تعتقد أن أوباما مسلم يخفي إسلامه "لا.. لا ليس هناك من أساس نبني عليه ذلك، لقد نفى ذلك وليس هناك ما يدعو لعدم تصديقه، حسب علمي أنه ليس كذلك!!". وهذا أسلوب "إيحائي" يجيب بالنفي ولكن يترك الباب مفتوحاً للشكوك. جاءت إجابتها هذه على الرغم من يقينها بأنه ليس مسلماً من خلال مشاركتهما معاً ولعدة مرات في (صلوات إفطار مسيحية) معاً. محاولة ربط أوباما بلويس فاراخان وبمجموعة أمة الإسلام، وهو ربط يهدف إلى تخويف الناخبين من كونه قد يكون مسلما متطرفا يحاول التسلل إلى البيت الأبيض، وإخافة الجالية اليهودية من أوباما بربطه بلويس فاراخان الذي يهاجم اليهود ويشتم دينهم. إعلان التخويف "من تريد أن يجيب على الهاتف الذي يرن في البيت الأبيض في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل" وهو إعلان يحمل عدة معان في نفس الوقت، هل يمكن أن تثق في أوباما؟ هل يملك الخبرة؟ وهل تثق فيه حقاً؟ خاصة مع كل هذه الشائعات حول (اسمه ودينه). وزرع الشك في قلوب الناخبين أنهم قد يرسلون بتصويتهم له بمسلم (كامن) إلى البيت الأبيض يمسك بمقاليد أمن الولاياتالمتحدة بين يديه. طرح نفسها كضحية للإعلام المتحيز ضدها لصالح أوباما، الأمر الذي جعل الإعلام الأميركي الذي يتخوّف من تهمة التحيّز ويثمّن نفسه بالموضوعية بالبدء بتغطية حملة أوباما بطريقة ناقدة ومتهجمة أكثر منها موضوعية من أجل نفي التهمة التي أطلقتها هيلاري لتحقيق ذلك الهدف. اللعب على وتر المرأة الضحية للحصول على تعاطف أكثر من النساء الناخبات، عبر التوجه إلى شعور التآزر بين النساء اللواتي يشعرن بالظلم والغبن أو عشن تجارب سيئة مع الرجال. في الوقت الذي تشن فيه هجمات قوية وشرسة على خصمها. تحريف مواقفه السياسية وعرضها بطريقة تجعلها متناقضة، الأمر الذي يطعن في مصداقيته وأمانته وثقة الناخبين به. ومن خلال محاولة ربطه بمقاول يواجه محاكمة بالفساد في شيكاغو. ولكن وعلى الرغم مما قد قيل ويقال حول أخلاقية تلك الأساليب إلا أن هيلاري كلينتون استطاعت عبرها تفادي موت محقق والعيش للقتال ليوم آخر. نجاح تلك الإستراتيجية بكل تكتيكاتها دفع هيلاري وحملتها إلى الاستمرار فيها حتى الآن وفي المستقبل كما جدّد أملهم بإمكانية إسقاط خصمهم باراك أوباما، الأمر الذي يجعل الكثير من القيادات الديمقراطية يشعرون بتخوّف شديد من ان شراسة المعركة التي تقودها هيلاري ستؤثر سلبياً على حظوظ الديمقراطيين في الفوز بالرئاسة كما أنها ستؤدي إلى عزوف ملايين الناخبين المتفائلين الذي اجتذبتهم حملة اوباما. الطريف في الأمر أن مسؤولا في حملة الجمهوري جون ماكين اتصل بحملة هيلاري كلينتون وشكرهم ثم طلب منهم بث المزيد من الإعلانات التي تبثها الحملة ضد أوباما. مشكلة السيناتور أوباما في هذا كله أنه لن يستطع رد الصاع صاعين في هذه الحالة لأن حملته الانتخابية مبينة على مبدأ رفض الأساليب السلبية القديمة والسياسة التدميرية للخصم وأهمية التركيز على القضايا بعيداً عن الهجوم الشخصي. فحملته ترتكز على خلق أجواء سياسية جديدة تركّز على ما يجمع وليس على ما يفرّق، وكما وصفها "لن أدخل في معركة خناجر مع هيلاري كلينتون". وليس له خيار في ذلك، فانغماسه في الأساليب الكلينتونية يعني نهاية حملته كما نعرفها وفشله في تحقيق وعده بالتغيير الذي ينادي به. هيلاري كلينتون وقادة حملتها يعرفون ذلك جيداً ويستغلونه أسوأ استغلال. هل سينحاز الناخبون لأوباما ويرفضون الأساليب السياسية الرخيصة أم أن التكتيكات التقليدية ستثبت جدواها وقدرتها على التأثير ومقاومة موجة التغيير العارمة وتصبح هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية للرئاسة. الأيام والأسابيع القادمة ستحمل الإجابة. @ (خدمةACT خاص ب"الرياض")