صحفي أرجنتيني دعا مؤخراً إلى فتح مقبرة إيفيتا أمام السياح لتسديد ديون الأرجنتين . وعلى الفور قامت مظاهرة حاشده أمام مكتبه في العاصمة بوينس آيرس وكسّر المتظاهرون الزجاج مما اضطره - مع بقية الزملاء - إلى الهرب من الباب الخلفي . وبعد يومين أعلنت الصحيفة التي يعمل فيها الصحفي خوان باتيرا عن إيقافه عن العمل وأخذ تعهد عليه بعدم التعرض لموضوع إيفيتا مجددا .. وهذه الضجة تذكرنا بما حدث قبل سنوات حين قامت المغنية الأمريكية "مادونا" بتمثيل دور "إيفيتا" الأمر الذي مس مشاعر المواطن العادي هناك (إذ كيف لامرأة ساقطة كمادونا أن تمثل دور إيفيتا )... أما الحكاية الحقيقية فبدأت عام 1919حين ولدت فتاة تدعى "إيفيتا" لعائلة فقيرة في الأرجنتين. وفي الرابعة والعشرين من عمرها أصبحت المذيعة الأولى في البلاد . وفي إحدى الزيارات التي قام بها قائد الجيش "خوان بيرون" للإذاعة أعجب بشخصيتها الساحرة وصوتها الدافئ فعينها ناطقاً رسمياً باسمه. وحين طردت السلطات الكولونيل خوان استغلت شعبيتها للدعاية له بين الفقراء والمعوزين وضباط الجيش. وكمكافأة لها تزوجها خوان ووصلا سوياً إلى كرسي الرئاسة. ورغم أنها أصبحت السيدة الأولى في البلاد إلا أنها لم تنس الكادحين من الشعب الذين أوصلوها إلى سدة الحكم فساعدت المعوزين بتأسيس العديد من الجمعيات الخيرية. ورغم أن إيفيتا - ككل النساء - تحب الذهب والمجوهرات، إلا أن الناس لم تنس صورتها أبدا وهي تزور الفقراء وتوزع الملابس والألعاب من فوق شاحنة كبيرة.. ولكن إيفيتا لم تعمر طويلاً إذ ماتت بالسرطان في الثالثة والثلاثين. وحين كانت تحتضر كان يقف بقربها رجل لم تتعرف عليه من قبل يدعى الدكتور آرا (الذي يعد واحدا من أعظم الخبراء في التحنيط وحفظ الاجساد الميتة) .. وما أن لفظت أنفاسها الأخيرة حتى قام بسحب دمها واستبدله بسوائل خاصة تمنع الجسم من التحلل. وبإيحاء من زوجها وضعت مشاريع عديدة لنصب تماثيل لها. ولكن سرعان ما أطيح بخوان بيرون ونفي لأسبانيا ورفض خلفه (أدوارد لوغاردي) أن يوافيه بجثمان زوجته المحنط.. بل إنَّ لوغاردي حاول تغيير صورة إيفيتا لدى الشعب وقرر تدمير الجسد المحنط . وبالفعل طلب احضاره من الغرفة رقم (63) في مبنى اتحاد العمال ولكن الوقت لم يسعفه حيث عزل في انقلاب مفاجئ عام . 1955.وحين خلفه الرئيس (بدروأمابورد) أمر بسرقة الجثمان من مبنى اتحاد العمال وأخفاه في مقر المخابرات العسكرية خوفاً من اقتحام الجماهير للمبنى وسرقته !!! ومن مقر المخابرات تنقل الجثمان في ستة أماكن أخرى حتى سلم لرئيس المخابرات الجديد "فيلاس" الذي صنع عدة توابيت مماثلة (وخلطها) عشوائياً ووزعها على سفارات الأرجنتين في الخارج .. وهكذا اختفى جثمان إيفا بيرون عن الجماهير ستة عشر عاماً لم يكف خلالها المخلصون عن المطالبة به ودفنه بطريقة لائقة - كما لم يكف خوان عن المطالبة به من منفاه في أسبانيا - . وحينها لم يكن يعلم بمكان الجثمان الحقيقي سوى رئيس المخابرات ورئيس الأرجنتين نفسه .. حتى سفير الأرجنتين في بلجيكا لم يكن يعلم أن تابوت إيفا بيرون مسجى في قبو سفارته - وحين علم بذلك نقله سرا إلى ميلانو بإيطاليا حيث دفن هناك (وكانت مبادرة شجاعة دفع ثمنها غالياً). .. على أي حال حين عاد المجلس العسكري السابق إلى سدة الحكم أعيد خوان من منفاه كما أعيد جثمان إيفا من إيطاليا وفتح التابوت بحضور الدكتور آرا . وكان منظر الجثة مؤثراً حيث بقيت إيفيتا كما هي بشعرها الأشقر ووجها الجميل فبكى خوان وأخذ يهذي "إنها نائمة فقط".. وبعد ان تولى رئاسة الأرجنتين لفترة بسيطة توفي خوان بيرون فقرر المسؤولون دفن جثمان إيفا بطريقة لا يمكن لأي قوة نقله من مكانه مجدداً. وهكذا دفن تابوتها على عمق خمسة عشر قدماً من الأسمنت المسلح تحت حراسة مشددة !! وحتى اليوم لم يستطع إنسان انتشال التابوت من مكانه .. فقط مادونا أقلقت إيفا أيضاً في قبرها !!