كان قرار إلغاء العمل بمراكز الأعمال في مستشفيات الصحة مفاجئا في سرعة الإصدار والتنفيذ، وأثار ارتياحا لدى مواطنين رأوا في القرار السابق استغلالا لحاجاتهم في الحصول على مواعيد وخدمات صحية مناسبة، ولدى أيضا المستثمرين أيضاً في القطاع الصحي الخاص الذين رأوا فيه منافسة غير شريفة بسبب أسعار خدمات مراكز الأعمال التي تستفيد من تسهيلات مجانية من المستشفيات التي تعمل بها. وخلفيات الإلغاء وضحها ما نشر في جريدة الرياض من تصريح نقله الزميل محمد الحيدر عن وزير الصحة ذكر فيه أن سبب إيقاف العمل بجميع مراكز الأعمال في المرافق الصحية التابعة لوزارة الصحة يرجع إلى توفير العلاج للمريض في مستشفيات وزارة الصحة، وأنه جاء بعد تأثر الوزير بموقف تعرض له أحد المواطنين مع مركز الأعمال في احد المستشفيات بالرياض، وعلى إثر ذلك اجتمع بمسئولين بالصحة واتخذ القرار الجريء بإلغاء مراكز الأعمال. لا شك أن الوزير يشكر على تفاعله مع معاناة المواطن وتلمسه لاحتياجاته. ولكن القرار وإلغاءه ينبغي أن يكونا حالة دراسية تستنبط منها العبر والدروس لتعديل وتطوير آليات صنع القرار في القطاع العام وعلى الأخص الصحي. فقرار إنشاء مراكز الأعمال صدر عن مجلس الوزراء في عام 1422ه وجاء فيه كما نشر في الصحف أن القرار صدر بعد الاطلاع على خطاب معالي وزير الصحة المرفق به محضر اللجنة المشكلة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 65وتاريخ 1419319ه لإعداد القواعد اللازمة لعمل الأطباء الاستشاريين السعوديين العاملين في المؤسسات الصحية الحكومية ومن في حكمهم من أعضاء هيئة التدريس في غير أوقات الدوام الرسمي. أي أن قرار مجلس الوزراء استند على محضر لجنة استمرت ثلاث سنوات حتى تصل إلى قرار تبين فيما بعد أن ضرره أكثر من نفعه. إن من الحسنات التي نقدمها للوطن أن يتم مراجعة طريقة عمل هذه اللجان عن طريق محاضرها لمعرفة كيفية عملها والأدلة والحجج التي استندت عليها لاقتراح هذا القرار. هل اهتمت اللجنة فقط بحل مشكلة تسرب الأطباء الاستشاريين إلى القطاع الخاص على حساب خلق مشاكل أخرى؟ وهل اعتمدت اللجنة على دراسات و إحصائيات علمية أو قامت خلال هذه السنوات الثلاث بعمل دراسة لتحديد نقاط القوة والضعف في القرار والمخاطر والفرص المترتبة عليه؟ وهل كان هناك تمثيل لجميع الأطراف المتأثرة بهذا القرار؟ وهل تم عمل دراسات اقتصادية لتوقع أرباح وخسائر كل الأطراف ذات العلاقة؟ وهل كان هناك متابعة للتنفيذ وتقييم دوري لمدى نجاحه؟ وبالمقابل هل خضع قرار الإلغاء لدراسة لاحتواء تبعاته وتأثيراته وهل كان هناك ترتيب وتهيئة لتنفيذه من غير الإضرار بحقوق العاملين؟ وهل تم دراسة ربط الإلغاء أو عدمه بمشروع خصخصة المستشفيات الحكومية أو تحويل ملكيتها لمؤسسة عامة ؟ كل هذه الأسئلة تدور حول المعلومة الدقيقة وتوفرها عند متخذي القرار، فنحن بحاجة إلى تطوير آلية تجميع وتحليل البيانات، وتعزيز تحليل المشكلات بالمعلومات الهامة للنظر إلى المشاكل من زاوية رؤية شاملة وموضوعية؛ ومن ثم تزويد متخذي القرار بحلول تجلب المصلحة لجميع الأطراف.