ازدادت شركات التأمين حتى غصت بها شاشة تداول الأسهم، بينما في المقابل لا تزل هناك قلة إن لم تكن ندرة في عدد المستشفيات الخاصة التي تستطيع التعامل معها هذه الشركات. قلة عدد المستشفيات وكثرة أعداد المراجعين والمرضى من عملاء شركات التأمين أدى إلى تحول هذه المستشفيات إلى نماذج مشابهة للمستشفيات الحكومية من حيث ضعف الاداء وقلة الاهتمام بالعملاء وتكدس المراجعين في أقسام المستشفيات المختلفة وطول فترات الانتظار أثناء المراجعة وبعد مواعيد المراجعات والعمليات. توفر المناخ الاستثماري الملائم لعمل الشركات التأمين الأجنبية والوطنية أدى إلى زيادة طلبات الترخيص وحدة المنافسة وسيعود ذلك بالمنفعة على العميل الذي لديه سلاح الاختيار بين هذه الشركات، وهو السلاح الذي سيفرض على الشركات تحسين أدائها واتخاذ سياسات تستهدف العميل في المقام الأول لضمان البقاء في سوق يحكمه الزبون وبيده مفاتيح الإقصاء والتفضيل ومن ثم ربح وخسارة الشركات. مثل هذا المناخ يفتقده قطاع الخدمات الصحية الخاصة فالاستثمار في القطاع الصحي تعترضه العديد من العقبات والمعوقات، والمستثمر الذي يحرص على أمواله سيستدير بعد أول عقبة ليوجه أمواله نحو دولة أكثر مرونة في الإجراءات والضوابط، أو يصرف النظر عن الاستثمار الصحي إلى بدائل أقل تعقيدا وأكثر ربحا. العديد من الأنظمة والقوانين أصبحت طاردة للاستثمار في القطاع الصحي ومنها على سبيل المثال نظام المؤسسات الصحية الخاصة الذي يفرض أن يكون مالك المجمع الطبي أو أحد الشركاء فيه طبيباً سعودياً، بينما نجد أن المستشفيات الخاصة المشهورة من بين ملاكها ومدرائها مهندسين ورجال أعمال، والطبيب الذي أفنى حياته في طلب العلم لن يكون قادرا على فتح مستشفى وإن تمكن من فتحها فإن خبرته العلمية والعملية لن تسعفه في التعامل مع تعقيدات العمل الخاص المالية والإدارية. إن التمديد الأخير للتراخيص الخاصة بالمؤسسات الصحية الخاصة التي لم تستطع تكييف أوضاعها هو دواء مخدر مهدئ ولكنه لا يعالج المرض الناشئ عن خطأ فادح بعيد جدا عن المنطق العقلاني والإداري والاقتصادي. فأسباب القرار غير مفهومة حتى الآن فإذا كانت لضمان جودة الخدمة الطبية فإن تخصص الجودة هو علم إداري قبل كونه طبي، وها هي المستشفيات الحكومية يديرها أطباء وتزخر بالأخطاء. وإذا كان لضمان الأمانة فالمواطن أمين بدينه وطبعه حتى يثبت العكس، ومن يثبت العكس هو نظام فعال في الرقابة واعتماد الجودة ومحاكم صحية تمنع الظلم وتقتص الحق من الظالم. ولا أريد إضاعة ما تبقى من مساحة في الحديث عن قرار حتى أصحابه لا يستطيعون الدفاع عنه لشعورهم بفداحة ما ارتكب بحق الوطن والقطاع الصحي من جراء إقراره. أتمنى أن تزال جميع عقبات الاستثمار في القطاع الصحي وأن تتزايد أعداد المستشفيات كما ازدادت أعداد شركات التأمين، وأن نصحو يوما لنجد مدنا طبية بجوار المدن الكبيرة، ومستشفيات متطورة في المحافظات المختلفة، ومستشفيات وشركات صحية عالمية ترى لوحاتها وإعلاناتها في وسائل الإعلام والطرقات. وشركات سياحية متخصصة في حجز مواعيد في مستشفيات سعودية تستقطب الراغبين في العلاج من جميع الدول. ويعمل في تلك المستشفيات كوادر سعودية صحية وطبية مؤهلة لم يتجاوز بين حصولهم على شهاداتهم وتوظيفهم سوى أقل من شهر!. دراسات صحية