كم أحس بك يا صديقي.. وكم أعرف لحظات تتمنى فيها ان تهرب إلى مكان بعيد هادئ.. وتنسى كل شيء.. تنسى كل الضغوط وماديات هذا الزمان ومشاكله التي تثقل كاهلك. وقد أراك متهللاً لرؤية قارب بعيد يتراقص على أمواج هادئة حتى إذا انتهيت إليه وطاب لك الجلوس فيه.. سالت نفسك وجداً حين زفت إليك عيناك منظر الغروب وانتعشت روحك حين استطاعت نسائم صغيرة ان تخترق جسدك وتعبث في مكنونك كما شاء لها ان تفعل. قد تنسى همومك لحظة لكنك في ساعة الصفا لا بد لك ان تنظر في معاشك من بعيد لتعرف أين أنت.. وقد لا يسرك مكانك.. فاسمح لي ان أحذرك من شجرة كثيفة الأغصان، كان الناس منذ القدم قد عمدوا إليها يعلقون عليها كل فشل وتردي وكم أتمنى لك الا تمر بها في حياتك وان كنت مصراً على ان تفعل فأخبرني من ستلوم في حياتك؟ أتلوم والديك اللذين ربياك؟! أم بيئتك التي أثرت فيك؟! أم تعليمك الذي تلقيته؟! أم غناك وفقرك؟! أم إنساناً مر على حياتك فأثر بها حتى أدماها؟! من ستلوم على ما لا يسرك من أمرك؟! أعود إليك لاستاذنك واطلب إليك ان تتحرر أبداً من القاء اللوم على كائن من كان. أرض عن الله.. فقد قدر لك كل هذا.. قد كتب لك ان يكون هذان الوالدان بمحاسنهما و(محاسنهما) والديك، قد كتب لك بيئتك وتعليمك وغناك وفقرك وكل ما أثر فيك حتى كنت أنت من انت وان كان في حياتك ما تظنه مصائب فاحمد الله على تلك المصائب. فقد تظن ان المكان الذي يسحق فيه إنسان هو نهاية إنسان.. لكن صدقني قد تكون ولادة إنسان.. وقد تكون الظروف الصعبة التي تئن تحت وطأتها هي نقاط القوة والتزود في حياتك، فاحمد الله على اغترابك وفراق أحبابك.. فقد علمك العيش خارج الماء واكتشاف أحباب في كل مكان، واحمد الله على الظروف الصعبة قد علمتك الصبر والتكيف وزيادة القوة واحمد الله على ما قابلته ممن اتعبوك وآلموك فقد جعلك ذلك أكثر اتساعاً وقدرة ومرونة وعلمك كيف يكون مكنونك حصناً حصيناً لا يستطيع أحد الوصول إليه فضلاً عن ايذائه، واحمد الله على مرضك فقد جعلك تحس بنعمة الله عليك، بالصحة والتضرع إلى مولاك وتغسل من ذنوبك. كثير هو ما يفوتك ان تخر ساجداً لربك شكراً عليه.. وهو في ظاهرة مصائب يستعاذ منها. اسأل الله العافية.. وارض عن الله.. وارض عن حياتك، فليس الرضا في الرزق وحسب.. بل هو في كل شيء في حياتي وحياتك حتى نرضى باليوم الحار أو البارد دون تذمر. وبعد ان تستقر نفسك بالرضا توجه إلى قدراتك وطاقاتك العظيمة واستعن بالله لتجعل كل شيء في حياتك خيراً مما كان عليه بالأمس، ولتصنع نجاحك بفضل الله أولاً، فهو المعين الأول وصدقني لو قلت لك ان النجاح أقرب إليك مما تظن.. هو قريب جداً لا يفصلك عنه إلاّ القليل.. تحرر من خوفك.. تحرر من ضعفك.. فهذا العقل في رأسك يحوي قوة عظيمة قد تستنفذ في القلق والخوف والاستغراق في المشكلات. حتى يكلمك الناس فلا تعي.. وتحاول الحفظ فلا تحظ وتريد التخطيط فلا تركز، مع أنك تمتلك كل القدرة على الفهم والحفاظ والتركيز. تحرر من ضعفك فما هو إلاّ وهم تصنعه مخيلتك ومن أحزانك فما هي إلى قيود تكبلك.. وانطلق فانت أعظم خلق الله وانت أقدر خلق الله وستحوز المجد الذي حلمت به.. والذي من حقك ان تحلم به.. وتصل إليه.