هل يكتب الكاتب في عصر الانترنت لنفسه أم عن الناس ولهم ، أم تراه يمارس هواية قديمة لم يحن دورها بعد لتندثر في عصر التقنية؟ الفكرة القديمة التي تكاد تهيمن على صورة الكاتب والمفكّر في عصر ما قبل الانترنت تظهره (نخبويّ) الشخصيّة والسلوك متميّزا عمّن سواه من ذوي المهن بمصادر معلوماته وقوة اهتمامه بصناعة الفكر، وكانت تتحدّد (مكانات) الكُتّاب عند جماهيرهم بحجم وأهميّة المعلومات التي يمتلكونها وبدرجة تفنّنهم في التركيب والتحليل. وبطبيعة الحال كان الكاتب والمفكّر - في صورته العامة - يُطِل مختالا من "برجه العاجي" عبر عموده الصحفي أو برنامجه الإذاعي أو التلفزيوني (لينتقي) موضوعاته (ويعظ) جماهيره (ويوجّه) جموعهم على قدر علو قامته في البلاغة والبيان. أما اليوم في عصر المعلومات وتقنية الاتصال فقد أمست وأصبحت المعلومات بضاعة رقميّة تُباع وتُشترى بل وتُرسل مجّانا للجماهير ليتلقوها من كلّ مكان وبكلّ لغة وفي كلّ فن، بل لقد باتت المعلومة متاحة على (مدار اللحظة) تصل طالبها "ملحاحة" حتى تندسّ في جيبه عبر هاتفه المحمول. ومن هنا تبدو صورة الكاتب - في هذا العصر - باهتة الملامح ولربما اهتزّت نتيجة لذلك بعض مقاعده الاجتماعية التي بناها عبر القرون من خلال عمله كوكيل "حصري" للمعلومات والأفكار ينتقي منها ويفسّر ما شاء له ذوقه وحظه من التحليل والتقييم. وفي مسألة العلاقة مع الجمهور لم يعد ممكنا في عصرنا لكاتب اختار سكنى برج عاجي أن ينعزل في صومعته منتظرا تخمينات عدد قراء مقاله أو تقارير تتنبأ بعدد مشاهدي برنامجه فالعدّاد الالكتروني يحسب والجمهور يزور ويعقّب ولأنه جمهور عصر المعلومات فقد يحاسب ويعاتب. أما الشواهد فتأتي جملة وفرادى يقودها وميض البريد الالكتروني وطنين رسائل "الهاتف المحمول" التي قد تنبئ عن وصول رسالة قارئ محتج، أو تصحيح مهتم مدقّق، أو حتى "مماحكة" (قرين) بدا له تنغيص يومك جراء نوبة "مرض أقران" انتابته فأرسلها الكترونية "مجهولة" إليك. والسؤال هنا هل بقي بيننا في عصر "الأخبار في جيبي" من يؤمن أنه مازال هناك "قارئ" ينتظر متلهّفا وصول موزع صحيفة الصباح ليقرأ فيها أخبار الأمس! ثم يُتبع ذلك بقراءة عمود الكاتب "المفكّر الجهبذ" ليشرح له ويحلّل له ما استغلق عليه فهمه؟. ألسنا في عصر الصحافة الالكترونية ومن حقائقها أن الكاتب يبعث بمقالته الكترونيا وحين تظهر حروفه أمام مئات الألوف على شاشات الانترنت تأتيه الردود والتعقيبات (الالكترونية) ربما قبل أن ترى عيناه صحيفته في نسختها (الورقية) بساعات. لمن يكتب الكاتب إذن في عصر المعلومات؟ إن قلنا بأن مهمة الكاتب هي أن يقوم بأدوار اجتماعية في مجال التنوير والتثقيف والتوعية فهل يمكنه أن يقوم بهكذا ادوار في ميدان اتصالي تنافسي عالمي مفتوح ؟ إنها مهمة مستحيلة بل وتبدو أكثر تحديا في حال "الكاتب العربي" المحاصر أبدا بين (سندان) مؤسسات رقابة رسميّة تعيش خارج عصرها (ومطرقة) محاسبات اجتماعية لا يمكن حصرها. فيما مضى كان الكاتب العربي - وهو يسوّد الصفحات - ينظر من خلال الأفق إلى قارئه ثم يقدّر حدود الرقابة ويقيّم حاجة قارئه للمعلومة والتفسير لتتأرجح بعدها كلماته طارحة من الأسئلة ما يغني عن كثير الأجوبة ولكن الكل معذور!!. المهم أن تلك المعادلة نجحت ردحا من الزمن وأدى الكاتب معها دورا تاريخيا لا يتكرّر، ولكنها اليوم حقبة جديدة وجمهور جديد عنده المعلومة ويمتلك وسائل وصول "الكترونية" إلى كل المراجع "المستقلّة" التي تقدّم له التفسير والتحليل دون وسطاء وبلا رقباء، وهو ما يحتّم طرح سؤال لمن يكتب الكاتب (العربي) في عصر الانترنت؟ مسارات قال معاتبا ومضى: نعم لقد فتحت لي (باب قلبك) ولكن لم تقلّ لي انّه باب (دوار!!).