في عام 1984اضطرت السلطات البريطانية لإخراج كاي شامبان وزميلاتها من المبنى الذي رفضن أن يغادرنه لمدة تسعة أشهر احتجاجا وتحفظا على قرار إغلاقه. كان ذلك المبنى مستشفى جنوبلندن للنساء الذي بإغلاقه انتهت علاقة غرب أوروبا التي امتدت العشرات من السنوات مع المستشفيات النسائية التي تدار بالكامل بطاقم نسائي طبي وفني ومرضاها من النساء والأطفال. في كندا شهد عام 1909إنشاء مستشفى كلية الطب النسائية والذي يدار أيضا من قبل النساء. وفي استراليا أقيم ما سمي لاحقا بمستشفى الملكة فيكتوريا والذي حصل على تبرعات وهبات نسائية كبيرة وكان كسابقيه من حيث السعة والتطور. في تلك الحقبة حرصت النساء على إقامة مثل هذه المستشفيات للتمييز الذي كن يتعرضن له في التعليم الطبي والتوظيف ورفض الجامعات والمستشفيات قبولهن، واثبتن مع الزمن إمكانية نجاح هذه المستشفيات التي شهدت توسعا في الأجنحة والعمليات المجراة، وبعد التغيرات التي طرأت على هذه المجتمعات لم تعد بحاجة إلى مثل هذه المستشفيات فتم الاستغناء عنها ودمجها مع مستشفيات أخرى أو إلغاؤها. تجارب الدول الغربية مع المستشفيات النسائية تكشف عن التصالح الذي تعيشه هذه الشعوب مع أنفسها وقيمها وتطوراتها فعندما كانت بحاجة إلى هذه المستشفيات لم يحل بينها وبين إصرارها على التنفيذ حائل، ووفر لها المتبرعون الدعم وأيدوها وناصروها. على عكس ذلك الشعوب العربية المتناقضة مع قيمها والهاربة من نفسها إرضاء لغيرها. فتجدها تهرب من تطبيق ما تؤمن به أو ما يؤمن به معظم أفرادها خوفا من الانتقادات التي قد تلاحق خطواتها من ماكينات إعلامية دولية تستغل قلة ثقافة وثقة هذه الشعوب بنفسها لتمنعها مما كانت تمارسه دول هذه الماكينات في حقبة من حقب تطوراتها الحضارية التراكمية. قرار إنشاء مستشفى نسائي الذي كشفت عنه وزارة الصحة وصرح به المدير العام للمستشفيات، قرار له إيجابياته التي تفوق سلبياته، والمعطيات الثقافية في البيئة السعودية تدعم هذا التوجه الذي سيحل بعض الموانع التي تعيق الاستفادة من العنصر النسائي الاستفادة التامة في المجال الصحي. ومبررات الدراسة التي قامت بها لجنة من الباحثين والباحثات الأفاضل في محلها من حيث مقارنة القطاع الصحي بقطاع التعليم الذي زاد فيه الطلب عن العرض بسبب تماشي البيئة الصغرى في العمل مع البيئة الأكبر في المجتمع. ولهذا فإن الإقبال على العمل في القطاع الصحي سيزداد وستزداد أعداد الكفاءات النسوية الرائدة في المجالات الطبية والصحية المختلفة. وفي القيادات والكوادر النسائية الطبية والإدارية الحالية من هن جديرات بحمل المسؤولية في إدارة هذه المستشفيات وإنجاح تجربتها كما فعلت رائدات هذه التجارب في الغرب ممن لا يزلن يحظين بالتقدير والتكريم، على أن يتم التركيز في ذلك ليس على إنجاح الفكرة فقط بل إنجاح العمل الطبي وتوفير رعاية صحية متميزة للمرضى من النساء والأطفال بالاعتماد على أعلى معايير الجودة الصحية. ورغم التأييد الكامل لهذه الفكرة وتطويرها وزيادة أعداد المستشفيات النسائية إلا أن من الأفضل ألا تنوء بعبئها وزارة الصحة فيشغلها سمو هدف المشروع والحماس لإنجاحه عن القيام بغيرها من الأولويات الأخرى في رعاية وتحصين وعلاج وتوعية المواطنين والمقيمين، وقد تخذلها مواردها في التمويل فيفشل بذلك المشروع. لذلك فإن من الأفضل أن يدرج ضمن مشاريع الوقف الصحي ولن يعدم هذا المشروع من الممولين الساعين إلى الأجر، فليس غيرنا بأفضل منا؛ ففي بوسطن بأمريكا أنشأت الأقلية اليهودية مستشفى بث إسرائيل والطائفة المثودية مستشفى ديكنس إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة على مستشفيات تنبتها ومولتها جمعيات خيرية.