يتبادر لذهن الواحد منا عند قراءة مصطلح عدم التعلم (unlearning) أنه يجب على الشخص الذي يهم في تعلم شيء جديد أن يقوم أولا بنسيان القديم. وهذا التصور الخاطئ جعل الكثير من الراغبين في تعلم مهارات أو معلومات جديدة يحجمون عن الاستمرار من أول محاولة. دعونا نوضح هذا المصطلح بأمثلة من واقع حياتنا، ولكن لنبدأ هذه الأمثلة بقصة طريفة بعض الشيء تبين كيف أن تعليمنا السابق يؤثر في ملكة تعلمنا لمعلومات جديدة. القصة تتحدث عن خشاب (من يقوم بقطع الأشجار) كبير في السن ولكنه ذو باع وخبرة في قطع الأشجار. ذات يوم طلب منه القيام بقطع مائة شجرة لاستخدامها في بناء مسكن جديد. وافق الخشاب على الطلب وقام بإعداد أدواته، ولكن خلال الإعداد فكر بأن يقوم بشراء منشار جديد بدلا من المنشار اليدوي الذي لديه لتسريع عملية قطع الأشجار. فطفق متوجها لأحد المحلات المتخصصة ليشتري منشاراً جديداً . أخذ الخشاب المنشار الجديد للغابة حتى يقوم بنشر الأشجار “وبدأ الخشاب بأول شجرة حتى انتهى النهار وهو لا يزال يحاول قطعها. استغرب الخشاب من أدائه فقد كان في شبابه يقطع 10أشجار بالمنشار اليدوي أما الآن فلا يستطيع قطع حتى شجرتين بالمنشار الجديد. رجع الخشاب من يوم لغد للمحل الذي ابتاع منه المنشار واشتكى له الوضع، فقام البائع باستبدال المنشار بآخر جديد من المستودع. توجه الخشاب للغابة مرة أخرى وحاول قطع الأشجار ولكن ما زالت المشكلة قائمة فلم يستطع الخشاب إلا قطع شجرة واحدة خلال اليوم. عاد الخشاب للبائع واشتكى له الوضع مرة أخرى، حينها اقترح البائع أن يقوم هو بتجربة المنشار أمام الخشاب، وتوجها إلى خلفية المحل حيث توجد فيها بعض الجذوع الخشبية “ قام البائع بسحب السلك المتدلي من طرف المنشار لتبدأ أسنانها بالدوران وإصدار ضجيج مدوٍ“ عندها وضع الخشاب أصابعه في أذنيه وصاح بصوت عالٍ "ما هذا الصوت المزعج"؟!! هل لاحظتم مصدر الخلل في القصة؟ لقد كان الخشاب يعتقد أن المنشار الذي ابتاعه يعمل بنفس فكرة المنشار اليدوي ولم يفكر للحظة أن يتعلم كيف يدير أو يتعامل مع الجهاز الجديد. ونفس الفكرة ننتهجها نحن عند تعلم أشياء جديدة في الحاسب. فمثلا لو قمنا بتركيب برنامج معالج نصوص أو متصفح جديد، فنحن في الواقع نُصّدر أنماط تعاملنا السابقة للبرامج الجديدة ولا نحاول أن (لا نتعلم) أي نتخلص من النمط السابق لنتعلم نمط جديد في التعامل. لذا نجد أن الجيل الجديد من مستخدمي الحاسب والإنترنت يتعلمون مهارات جديدة أسرع من الأجيال الماضية ويواكبون التطورات بذات سرعة خروجها. وهذا مرده إلى أن الجيل الجديد يقفز في قلب التقنية ولا يستخدم رواسب تعلمها قديما لتملي عليه طريق تعلمه الجديد. ما نود أن نقوله هو أنه إذا أردت أن تتعلم شيء جديد عليك أن تتنازل وتتجاهل بعضاً من المعلومات والعادات وأنماط التفكير التي اكتسبتها خلال مراحل تعلمك الماضية. قد يكون الأمر في أوله غير مريح، تماما كمن يحاول أن يتخلص من عادة أو طبع غير مرغوب، ولكن مع الإصرار والصبر، خاصة أن الدراسات الحديثة تبين أن الشخص يمكنه أن يتخلص من بعض العادات لديه خلال مدة قدرها ثلاثة أسابيع تقريبا، يمكن أن نتخلص من بعض أنماط تعلمنا لنكتسب أنماط جديدة أكثر فاعلية ومواكبة للتطورات الحاصلة في القرن الواحد والعشرين.