دعونا نحلم بأمة تختار وحدات إقليمية كبداية لوحدات أشمل، مثلاً نرى مصر والسودان يخلقان بيئة اختيارية يتكامل فيها الاقتصاد والمواطنون بدون حساسيات، ويشكلون قوة هائلة في ميادين الزراعة والتصنيع والثروة الحيوانية، وغيرها.. ثم تعالوا للمغرب العربي، وكيف لو تحالفت تلك الأقطار بما يشبه كونفدرالية لا تتعرض للحكومات ونظمها، وإنما تعلن اندماجاً اقتصادياً مجاوراً لأوروبا المحتاجة لكل شيء في تلك الدول، ثم أضفنا إليها قيمة ما ستحدثه من أثر ليس على البنية الإقليمية، وإنما ما تؤثره في جالياتها في أوروبا التي قد تتحول إلى رصيد كبير في كل شيء بما في ذلك الغنى الثقافي والفني وحتى الرياضي.. واذهبوا إلى دول مجلس التعاون ثم حاولوا وضع لوائح تغاير جمود العمل الذي لا يتحرك إلا ضد الساعة، وابعثوا فيها حيوية الشباب باستغلال موارد النفط في ميادين مختلفة، وجعل اليمن ميداناً ثرياً للطاقات البشرية والسياحة وتنميته وفق قاعدة الأسرة الواحدة، ولو تعافى العراق وأصبح مع اليمن عضواً في هذا العقد الخليجي، لربما تغيرت موازين القوى ومعظم المفاهيم السياسية والاقتصادية.. أما بلاد الشام بغناها وتاريخها، ومؤهلات النجاح التي تستطيع أن تشرق في كل مدينة وقرية، فإن المكوّن الجغرافي والحضاري، وحتى الاقتصادي يفترض أن تكون الواجهة الأكبر والأسرع لتشكيل نواة اتحادها ثم وحدتها، وعندها سوف تكون إسرائيل أصغر من حجمها بمراحل لو تم هذا الحلم.. لو حدث ذلك ثم تكاملت هذه الاتحادات، أو (الكونفدراليات) في جامعة عربية مؤهلة بأن تطرح دستوراً قومياً، وقضاءً يحمل عدالة التعامل بدون فوقيات أو سفليات، ثم شرعنا بوضع خطط زراعية وصناعية، وتنمية بشرية، ووحّدنا أجهزتنا الأمنية والعسكرية، وطرحنا مشروع الآفاق البعيدة لكيان يربط المحيط بالخليج، فإن الصورة التي سينشأ عنها هذا الكيان ربما جاءت بمثل ما أحدثته الصين والهند في السنوات الأخيرة.. فالإمكانات موجودة، حيث تعدد مصادر الدخل أي أن الثروة القومية المستغلة أو شبه المعطلة بسبب الإجراءات أو التخلف الإداري الذي تقوده السياسة العمياء، إضافة إلى طاقة ثلاثمائة مليون إنسان، وأفضل موقع جغرافي يربط العالم ببعضه، ثم التاريخ الذي جعل آثار المنطقة الأولى من حيث الأقدمية والثراء والتنوع، هي امتيازات لا توجد في أي إقليم آخر، هذه الصورة لو انقلبت من السلبيات إلى العمل القومي لكنا أمة محسودة ومحسوبة الجانب. ثم دعونا ننظر إلى الجوار سواء لأوروبا، وأفريقيا، أو لآسيا، وبمفهوم العضوية المفتوحة استطعنا ضم تركيا وإيران إلى نادينا التكاملي، وفق ما حدث في أوروبا أو ما تخطط له آسيا بدمج الاقتصاد باتحاد هائل يجمع أكبر القوى السكانية في العالم في مجال إنجازاتها الاقتصادية والبشرية والجغرافية، وجعلنا هذا الكيان ينتقل من حالة التشرذم إلى آفاق الرابط المصلحي الواحد.. هو حلم، لكن كم من الأحلام تحققت، فكل الخصومات والحروب بين قوى متنافرة لم تمنع أن تكون أوروبا قائد الحضارة الراهنة وأن تتوّجها باتحاد أنضجته هذه الحضارة، وربما لو ملكنا الثقة وفلسفة التسامح والنضج السياسي والاجتماعي لحققنا هذه القفزة الكبيرة..