توطين الوظائف يعني إشغال الوظائف المتاحة بمواطنين أو إحداث وظائف للمواطنين، وهذا التوطين يبدو أنه يعالَج من خلال تطبيق للتخطيط التكتيكي (قصير الأجل) ومن مظاهر هذا النوع من التخطيط ما نراه من تحديد نسبة السعودة التي تطرح، وليس من خلال التخطيط الاستراتيجي الشامل، فالتخطيط التكتيكي لوحده بمعزل عن التخطيط الاستراتيجي الشامل لا يجدي كثير نفع ولا يحقق دوامه. فالبطالة وظيفياً بين المواطنين الشباب تحتاج إلى خطة إستراتيجية وطنية يعضدها ويتكامل معها خطط تكتيكية مبنية على رؤيا مستقبلية مستندة إلى بحوث ودراسات ميدانية تتناول الجوانب الاجتماعية والإدارية والاقتصادية والفنية والتعليمية. إن معظم الباحثين عن عمل من المواطنين لا يجيدون مهارات يتطلبها سوق العمل، كما أن كثيراً منهم يفتقر إلى الإحساس بقيمة العمل وإدراك دوره وأهميته مما انعكس على سلوكهم الوظيفي وانضباطهم في العمل وهذا ما جعل التجاوب من القطاع الخاص ضعيف في تطبيق نسبة السعودة، بل حصل تفنن في ابتداع الأساليب والحجج للالتفاف حول القرارات الصادرة بهذا الشأن، فإذا ما تم إلزام المنشأة بتطبيق النسبة المقررة فيتم تحقيقها بما لا يخدم طالب الوظيفة على المدى القصير والمتوسط، ولا يخدم الوطن على المدى البعيد ويؤسس لنهضة اقتصادية وعلمية، ذلك أن القطاع الخاص يوظف الشباب في أعمال مكتبية يسيرة من دون برامج تطويرية مما لا تنمو معه قدراتهم وخبراتهم، أو عدم إلزامهم بأي عمل ذي بال لأن أساس التوظيف جاء تلبية لقرارات رسمية واعتبار تكاليف التوظيف مصاريف إدارية، وهذا يخلق بطالة مقنّعة لدى هؤلاء الشباب تؤدي إلى نتائج خطيرة منها مفاسد الفراغ والاتكالية وتعطيل القدرات الذهنية والتي لو استثمرت لحصلنا على إنجازات ذات شأن. هناك دعوات من هنا وهناك لقيام الشباب بأعمال ومهن متدنية إلى حد القاع وكأن الاقتصاد الوطني ينهض على تلك الأعمال والمهن بينما يوجد أعمال ومهن أعلى مستوى من ذلك وأكثر مردود مادياً ومعنوياً وذات أهمية لارتقاء الوطن على سواعد أبنائه لا تكاد تذكر نسبة المواطنين فيها، وهو محور الجزء الثاني.