تم الوقوف في حديثنا السالف عند المحور الأول من محاور مظاهر التجديد حيث عرضنا للغة واختلاف طرائقها وفقاً لاختلاف البناء وعوالم الرواية ونستكمل اليوم الحديث عن المحورين الآخرين، وهما: (2) رصف النص إلى جانب نصوص أخرى تمنح قراءته أبعاداً مختلفة، وتضفي عليه ايحاءات من خلال هذه المجاورة: وهذا أمر يظهر في العديد من الروايات مثل رواية (مسري يا رقيب) لرجاء وشادية عالم، حيث كتبت النص الروائي رجاء ورفدته بلوحات تشكيلية شادية. وقد تابع ذلك التجاور معجب العدواني وربط بين فعله في النصين وأشار إلى ان اللوحات العشر الواردة في النص (تتبنى ملمحاً مميزاً في النص لتقوم باقتناصه ومن ثم اخراجه إلى المتلقي بعد كبح شحنات الخيال المتدفقة في النص) وأشار إلى أنها مع ذلك تفتح إمكانية خلق رؤية تخييلية أخرى تحدث تأويلاً نصياً للنص (معجب العدواني: تشكيل المكان وظلال العتبات، النادي الأدبي الثقافي بجدة ص 98.99) ومثل ذلك في نص حبي الذي جاء في متن جار وختم محوط ومثل ذلك ما جاء في رواية (وجهة البوصلة) لنورة الغامدي التي افتتحت النص بترديد نص المطر لأمل دنقل، حيث تستثمر الرواية نص أمل دنقل: وينزل المطر ويغسل الشجر ويثقل الغصون الخضراء بالمطر @@@ ينكشف النسيان عن قصص الحنان عن ذكريات حب ضيعه الزمان لم تبق منه إلاّ النقوش في الأغصان قلب ينام فيه سهم وكلمتان نغيب في عناق جنبي.. فراشتان وانت يا حبيبي طير على سفر ص 29فقد جاء استثمار هذا النص موحياً بدلالة التطهير والاغتسال التي يحتاجها هذا الوادي الذي تحكي الرواية عالمه بما فيه من جبروت وقهر وبغض ومشيراً إلى ما ينبغي زرعه في هذا الوادي من فيض الحب. ولذلك يتداخل فعل المطر المستحضر في هذا النص مع فعل السرد الذي يظهر الحاجة إلى إزالة الجدب الإنساني بالوعي، الفقر المعرفي بالثقافة التي تتقاطر من الحوار. وقد استثمرت ذلك بنجاح ليلى الجهني في روايتها الآنفة الذكر حيث استثمرت أكثر من نص إلى جانب النص الأكبر ولا أقول الأساس لأن الحكم بالأساس ينبع من النصوص المتجاورة إذ ان الغلاف يحمل نصاً (يصور الغلاف ويستثمر بعض ما قيل عنه). والعناوين الداخلية تحمل نصوصاً مختلفة فهناك عناوين فصول الرواية ثم نصوص الأحداث المتعلقة بحرب العراق الأخيرة التي بدورها تمثل نصاً آخر، كان يكتب بطريقة مغايرة ويكتب بطريقة محايدة من الكاتبة التي تترك للأحداث جريانها وكأن ذلك يشير إلى خضوع عالم الرواية للأحداث الجارية في غياب عن التأثير فيها وعدم قدرة على ذلك حتى ولو أرادوا ذلك. جاءت العناوين هذه مثل: سماء تهوي ولم ير ملائكة قط، الصمت والموت.. دلالة على رؤية مكتنزة لفصول الرواية تاركة نص الحدث السياسي مقتحماً ما بين العنوان والفصل وكأنه فقط يريد ان يذكرنا بالفضاء السياسي ولعنة هذه الحرب وان الوهن العربي الذي كشفته هذه الحرب هو جزء من هذا الوهن الذي كشفته هذه الرواية في سبيل الوعي الإنساني الذي يحل مشكلات العصبية والعرقية ويكشف الزيف ويحقق العدالة الإنسانية. وجاءت العناوين المباشرة لكتابة كل فصل تحمل تاريخاً لهذه الفصول يعتمد الأيام والشهور وفق ما كانت معروفة في الجاهلية مثل: مؤنس الخامس عشر من وعل من العام الثاني عشر بعد عاصفة الصحراء