العقل يعني فيما يعني أن يكون قادراً على تجاوز النمطية، والقولبة، والقوننة في الفهم، والإنتاج، والفعل، وأن يكون قادراً على القبول بقناعة، والرفض والشك حتى الوصول إلى الحقيقة واليقين في مسائل الحياة، والعمل الاجتماعي، والممارسة الفردية والجمعية، فيُخضع الأمور لمقاييس عاقلة تستمد عناصرها من قوانين منطقية، ومعادلات قابلة للتصديق، وقابلة للحياة، ومستوعبة للحقائق، وفعل الممكن، أو المعقول. العقل في هذا المسار، وذاك النمط يستطيع أن ينتج إبداعات، ورؤى، وأفكاراً صالحة وقابلة للتحقيق والنمو، وفعل صناعة، وصياغة الحياة بفضاءاتها الإنتاجية والتنويرية، والمعرفية، فالعقل هو المعرفة، والمعرفة هي المدماك الرئيسي في عملية نهضة الشعوب، والإنسان، وتأهيل الأجيال لتكون قادرة على التميز، وإخضاع ما كان مستحيلاً إلى حالة معايشة فعلية مع التطور، والدخول في منظومة العالم المتقدم والمتحضر، وحياة القرن الحادي والعشرين الذي ستكون أبرز سماته ثورة التقنية، والعلوم، والاختراعات، والإبداعات. من هنا أريد أن يفضي هذا الفهم بي إلى قراءة أخرى أحسبها ضرورية، ونحن في حالة رغبة صادقة ومؤمنة بأن نعبر إلى مفاصل كبيرة في تاريخنا المعاصر، ونؤكد أحقيتنا، وأهليتنا لأن يكون لنا مكان تحت الشمس، وفضاء فسيح في قمة المجد، والإنجازات، وصنع حضارة، ورفاهية، وسلام الشعوب، والإنسان. نحن نخوض مشاريع تحديث، وتطوير، ونمو، وفعل صناعة رخاء، وتميز، ونعايش رؤى، وبرامج، وخططاً تنويرية تهدف إلى إقامة فكرة مجتمع جديد، وإنسان جديد. يخلع هذا المجتمع الجديد وذاك الإنسان الجديد عنهما مفاهيم الاتكالية، والعجز، والهروب، والخوف، والتردد، وعدم الثقة، وفوبيا المجهول، أو الحديث، أو المستجد، وننعتق بإرادة كاملة إلى الانخراط بطوعية لا تسربلها المحاذير، والتوجسات إلى صنع تاريخنا، وحضارتنا، وثقافتنا الجديدة، ومفاهيمنا المستقبلية لمعنى حياتنا، وكيف يمكن أن تكون لو مارسنا قليلاً من الجرأة في قبول تحولات، ومستجدات العالم، وتلاقح الأفكار، والثقافات، والمفاهيم مع بعضها لتنتج دينامية تاريخية ابتعدنا عنها طويلاً بوهم أن لدينا عاداتنا، وتقاليدنا، وثقافتنا ويجب أن نعض عليها بالنواجذ. وإذا ما آمنا بهذا، وأرجو ذلك، فإن العمل من أجل تحقيق العبور إلى صناعة المجتمع الجديد، والإنسان الجديد من خلال ما نشهده من مشروعات جبارة، وعملية نمو وتحديث اقتصادي، ومعرفي، وفكري، وثقافي، واجتماعي. إن العمل يجب أن لا ينبع من فكرة شعور بالواجب فقط، بل يجب أن يكون أساسه التزاماً أخلاقياً بالمقاصد والأهداف، والرغبة القوية في تحويل المجتمع من مجتمع استهلاكي نمطي راكد إلى مجتمع خلاق ومنتج ومبدع. وأن نوظف العقل ليصنع استراتيجيات عقلانية عملية تستطيع العمل بفعالية. هنا، تكون بداية خطوة الألف ميل.