تسارعت خطوات تطبيق الضمان الصحي في المملكة وازدادت شركات التأمين عددا، وبقي على تطبيقه على المواطنين مسافات إجرائية قد تطول، وقد يسارع بها توجيه مجلس الوزراء الأخير بالإسراع في إنهاء الدراسة الخاصة بالتأمين الصحي على المواطنين. وأتمنى أن تكون هذه الدراسة مبنية على أسس دستورية وصحية منها تحقيق العدالة والمساواة لجميع المواطنين، فأي شكل من أشكال التأمين الصحي يجب أن يوفر هذين المطلبين ليتماشى مع دستور المملكة في توفير الصحة للمواطن وليحقق ما حث عليها ديننا من تكافل وتأزر وتآخي. ولنأخذ عبرة من أعرق الدول في تطبيق التأمين الصحي والتي لا زالت تعالجه تعديلا وتبديلا، ولكنها تقف حتى الآن عاجزة أمام ازدياد غير المؤمن عليهم. فغير المؤمن عليهم في النظام الصحي الأمريكي قد ازدادوا عددا وتنوعت فئاتهم وأعمارهم وأصولهم حتى وصلوا في إحصائية عام 2005إلى 46.6مليون بزيادة قدرها 1.3مليون نسمة عن عام 2004.تخيل أن هذا العدد الذي يزيد بكثير عن ضعف عدد سكان المملكة لا يستطيع الوصول إلى الخدمات الصحية المناسبة. إن هذه الثغرة في النظام الصحي الأمريكي ليست نتاج خلل في السياسة الصحية فقط بل هي ناتجة عن خلل إيديولوجي متعمق في الفلسفة الرأسمالية التي قامت عليها أمريكا في فهم الحياة على أنها عرض وطلب وسوق مفتوحة تخضع قوانيها للتفاهم بين بائع ومقدم الخدمة و مشترى ومستقبل الخدمة، وتوضيحا لما استشكل من هذه الجملة أعرض قول رودي جولياني حين قال أثناء حملته الانتخابية لترأس الحزب الجمهوري أن مستقبل النظام الصحي الأمريكي هو في حلول السوق المفتوحة لا النظم الاشتراكية. وأن بالإمكان زيادة خيارات الأفراد وتقليل التكلفة عن طريق زيادة المنافسة وتشجيع الابتكارات في مجال تقديم الخدمات الصحية مع المحافظة على رعاية المحتاجين من الأمريكيين. وهذه هي الطريقة الأمريكية لإعادة هيكلة النظام الصحي حسب قوله. هذه النظرة الاقتصادية للعلاقات الاجتماعية الإنسانية تضع المبادئ على المحك أثناء التطبيق. وأحد هذه المبادئ العدالة والمساواة في الحصول على الخدمات الصحية. لذلك يجب أن ينبع تأميننا الصحي من قيمنا الأصيلة ويستنبط مواده وقوانينه وتطبيقاته من التجارب الدولية التي توفر لمواطنيها الخدمات الصحية دون إرهاقهم بالاعباء المالية، وتمنح لكل فرد فيهم الحق في الحصول على الخدمات الصحية التي يحتاجها في أي مكان يعيش فيه. وهناك ما يسمى بالتأمين الصحي الاجتماعي الذي استطاعت من خلاله دول مختلفة تحويل التامين الصحي من صفته التجارية إلى صفة اجتماعية تجمع بين التمويل المرن للنظام الصحي وتوفير الرعاية الصحية للجميع. وأتمنى أن تربط دراسة التأمين الصحي على المواطنين بمشروع وزارة الصحة لتطوير النظام الصحي وهو المشروع الذي لم ير النور حتى الان، فالتأمين الصحي في ظل النظام الصحي الحالي لن يستطيع الوقوف على الرجليه، وسيصطدم بالعديد من العقبات التي تقف حاليا في وجه أي تطوير وتحسين لآليات وإجراءات القطاع الصحي في المملكة.