شاعر العراق الكبير هو من قال: "ما مرّ عام والعراق ليس فيه جوع" وفي قصيدته الشهيرة "المومس العمياء" قال: ويح العراق أكان عدلاً أنك تدفعين سهاد مقلتك الضريره ثمنا لملء يديك زيتاً من منابعه الغزيره الجوع والتشرد والانقسامات واستيطان الأوبئة والأمراض، وحتى تلوث مياه دجلة والفرات، وانعدام الأمن جعلت لجوء أربعة ملايين عراقي أزمة أخلاقية قبل أن تكون خلاف مذاهب وسياسات، وأخطرها أن يصبح اللاجئ يباع ويُرتزق منه بأيدي عرب ومسلمين وبعمليات ابتزاز من أجل الحصول على معونات إقليمية أو دولية.. الغريب أن اللاجئين غير الجوعى، رفعوا أثمان عقارات سوريا، ولبنان، والأردن، ودبي، ومصر بعمليات هروب بالأموال المحرمة، وإذا ما تلازمت عمليات الفساد من داخل وخارج العراق وفق أساليب المافيا المنظمة، فإن الضحية جيوش من المواطنين الذين إن لم يُقتلوا تشردوا.. هناك من يصف اللجوء للعراقيين بكارثة فلسطين، أي أنهم سوف يستوطنون في بلدان الإيواء، وهذا موقف غريب، واعتساف للحقيقة، لأن العراقي خرج من بلده بسبب اقتتال طائفي واحتلال أجنبي لا يستطيع البقاء على أرض العراق، بينما حدث في فلسطين احتلال استيطاني، ولا يستطيع أي أمريكي الادعاء بأن العراق وطنه القومي، وأرض الميعاد كشأن فلسطين مع إسرائيل، وحتى نخرج من سير الأماني والقراءات العاطفية لما سيؤول إليه وضع العراق، فإنه من خلال تاريخه العريق واجه الكثير من المحن والبلاء، لكنه انتصر على واقعه حتى إنه يشبه المعدة التي هضمت الحضارات والأجناس وأعطى للبشرية مبادئ الحضارة الأولى المرتبطة بالقانون والأرض والتمدن، وبالتالي فإن الصراعات القائمة ستنتهي مثل غيرها إلى توحيد العراق على أسس ما تقبله تنوعات شعبه بكل أطيافه وأديانه وقومياته، وهي ليست مسألة رهان على مجهول، وإنما طبيعة المجتمعات التي تنتهي خصوماتها، بعدما تفرغ شحنات عواطفها وخلافاتها، ومن ثم العودة للعقل الذي يفرض واقعه.. العراق ما بعد الانقلابات والاحتلال يشبه حالة روسيا بعد انتهاء الاتحاد السوفياتي عندما سادت الفوضى ونهبت ممتلكات الوطن، لكنها بتضافر السلطة مع المواطن استعادت توازنها، وما يمر به العراق شبيه بتلك الأوضاع حتى إن الذين تعمدوا نهب وتهريب الآثار والنفط والتحول من رعب قسوة النظام السابق إلى الجريمة المنظمة وتضافر قوى داخلية مع خارجية في نشر الفوضى، وتوطين الجريمة، إنما جاءوا من ضعف النظام، وأخلاقيات الاحتلال.. كل عراقي يريد أن يعيش ويتعايش بسلام، لكن ما بعد مرارات اللجوء والمزايدة عليها وهموم الرغيف والتشرد، سوف تقتلع العديد من القناعات، وما نخشاه أن يتحول كُفر المواطن بمحيطه العربي والإقليمي، أن تتحول نوازعه إلى حالة عزلة، وصدمة كبرى، ومن هذا السبب فإن كل عربي يؤمن بقيمة العراق لأمنه وتطوره، يصبح مسؤولاً عن سلامة هذا الوطن النفسية والأمنية.