لم يكن الشاعر القدير ناصر الفراعنة أول من خاطب ناقته واستحثها، فالعلاقة بين الناقة وصاحبها من العلاقات البارزة لدى أبناء الصحراء منذ القدم وذلك للعلاقة الوطيدة بينهم وبين حيواناتهم وبخاصة الإبل والخيل، فهذا شاعر من بني جابر من حرب من سكان منطقة مكةالمكرمة أمتحن بغضبة الشريف الحسين بن علي أمير مكةالمكرمة الذي أمر بضرب الجابري.. وهذا أمر فوق احتمال الجابري لما يعني من إهانة للرجل، في زمن يتناقل فيه أبناء القبائل شعراً ونثراً ما يحدث من أمور مهينة لأبناء القبائل الأخرى. ولما كان في إمكان الشاعر أن يهرب من تطبيق الأمر الذي عاني منه كثيراً إلا أنه لم يوفق لمعالجة الموضوع، ولم يقبل الفرار لما فيه من تغرب وإساءة إلى الذات، ولم يجد موقفاً معلناً من قبيلته يسانده، أو أنه تعجل أن يجأر بالشكوى قبل أن يستطلع موقف القبيلة، وهم لا شك سينصرونه لما بينهم وبين الشريف من علاقات طيبة. فما كان من الجابري إلا أن يصدح تحت جنح الليل معبراً عن همومه ومخاطباً ناقته بهذه الأبيات: واقلبي اللي نقل له هم أكبر منك ياضاف واكبر من الشعبة اليمنى وشجوى والنقابة قالوا: علامك تون؟ وقلت: بيّه ضيم الاشراف قفوا على واجبي والناس قلّوا لي المهابة ويصف الشاعر حجم همه بأنه أكبر من أربعة جبال في منطقة تقع أسفل من وادي فاطمة، هي جبال ضاف والشعبة اليمنى وشجوى والنقابة، وكلها جبال كبيرة من منظومة جبال السروات قريباً من بلدة حداء، في الطريق القديم فيما بين مكةالمكرمةوجدة. هذا الهم الذي جلب له السهر والتنهدات والأنين والضيم وقلة المهابة بين الناس، هذه المشاعر التي يصورها لنا الشاعر في بيتين من الشعر يضيف إليهما بيتاً ثالثاً يشير فيه إلى موقف القبيلة من قضيته، وهي قضية لا يبدو أنها تثير الحمية، أو تشعل فتيل تحرك القبيلة، ولكن الشاعر بشفافيته جسدها تحرزا من الاذلال، إلا أن هذه الأبيات كانت سبباً في تجاوز الشريف عن تنفيذ الأمر، وهذا يدل على أن من نقل الأبيات إلى الشريف هو من خفف من حدة غضب الشريف، ولا شك أنهم من المقربين للشاعر نسباً أو جواراً، وممن لهم دل على الشريف، وبخاصة عند الاستماع إلى الأبيات كاملة حين عوّل الشاعر على ناقته لانقاذه من هذا الموقف إذ يقول: ياناقتي ما عنيتك للبكار الحمر ميلاف عانيك يابكرتي للواجب انء ربى بلى به ما يترك الواجب الاّ واحد من ذيل الاطراف أبوه رخمة وهو سفلة وأخواله خيابة لقد استدعى الشريف الشاعر ومازحه وصفح عنه وكافأه. ومادمنا بجوار جبل "ضاف" فلن نتركه وجاره جبل "مكسّر" دون أن نذكر بشاعر رقيق شاهد فتاته تتوجه بأغنامها إلى جبل مكسر فقال: يامكسّر نصاك الريم ترف القدم سارحاً بالغنم من يم ضلعان ضاف هو دخيلك من الرمضا وشوك السلم والظما لا يجي راعي الثمان الرهيف ونعود إلى الشاعر الجابري الذي لم يحفظ لناقته ذلك التكريم، فقد استخدمها فيما بعد في نقل المتاع وهذا لا يليق بذلول أن تستخدم في نقل المتاع، وقد أثبتت الناقة أصالتها وأنها ليست من تستخدم في نقل المتاع حين أرسلها مع ابنه إلى جدة لجلب بعض التموينات، ولكنها أبت ذلك برفضها التحرك في منظومة الجمال الناقلة للبضائع والمعدات، فعندما بلغت منتصف الطريق عائدة إلى القرية توقفت عن المسير، فنقل الابن حمولتها إلى الجمال الأخرى وتركها في مبركها حتى ذهب إليها والده وأخذها إلى القرية، وكان طوال الطريق يسائلها شعراً ويجيب عنها شعراً، قال لها: يابكرتي بانشدك وانتِ تعَرفين قول الصحيح وقول فيه المزوح أحسن "غيا" والا "امهات الرياحين" والاّ "الحميمة" و"الحشف" و"السيوح"؟ يسألها عن بعض المناطق التي سبق وأن رعت فيها الناقة، ويجيب عنها: تسالين وانتم عربكم محيلين؟ يرعون بالزلبات بارق يلوح وترسل ولدك يحطني في البعارين ويجرّني جرّ الهريد النُطوح إنها تحتج، وتجيبه من واقع تصرفاته حيث أنه وقومه يخططون للمسير نحو بقاع "غيا" و"أم الرياحين" البعيدة عن ديار الشاعر "الحميمة" و"الحشف" و"السيوح". ثم تؤنبه بحادثة إرسالها مع ابنه إلى جدة وتعريضها للإهانة بضمها إلى قافلة البعارين جمال النقل، ولكنه يذكرها بأنها ما عادت تلك الناقة التي تلد وترفد باللبن، فقد شاخت حتى تغيرت معالم جمالها فيقول: يافاطري غديك ما عاد تلدين إذا طلبتك ما لقيت الصبوح الفم يشادى مدرواة الصواوين في يَدء مغَلءوِن كل يوم قدوح ويبدو أن الحوار انتهى عند هذا الموقف المؤلم.