من خلال المؤشرات التي بدأت تخرج على السطح، فإن العمالة المستوردة من الخارج لم تعد متيسرة لأسباب عديدة منها التضخم الذي ضرب العالم، وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في دول الخليج، ثم احتياجات الدول المصدرة لعمالتها الممتازة وخاصة في الهند وأندونيسيا والفلبين، وغيرها التي بدأت تتسع فيها المشاريع، ثم الاشتراطات برفع أجور هذه العمالة في البلد المستقدِم، وعلى هذا الأساس لا نجد التصورات التي قد لا توقعنا في مشكل ليس على المدى القصير، وإنما على أبعاد الأزمنة القادمة. فمشاريعنا كبيرة، وهناك طفرة في كل شيء من المدن الصناعية والتجارية، إلى أدنى مستويات صيانة المعدات المنزلية وما دونها وبالتالي إذا كانت الأزمة نشأت من قلة اليد الماهرة الوطنية، ثم العربية، فموضوع التعليم والتدريب، وحوافز العمل أحد منشطات هذا القطاع غير أننا نُصدم بحائط فكر صاحب المنشأة الذي يريد إعطاء رواتب للمواطن تتساوى مع المستقدَم من الخارج، وهذا غير منطقي إطلاقا، كذلك الأمر بالقول إن المواطن يحتاج الى تدريب وتأهيل، لكنه حتى بامتلاكه هذا الامتياز لا يؤدي ساعات عمله بشكل منتظم، ثم إذا توفر له حافز آخر يترك عمله ويخلّ بعقده، وفي غياب التنظيم الذي يكفل جميع الحقوق، ووجود الخطط التي تطرح ضرورات التركيز على اليد العاملة الوطنية وتدريبها وتعليمها، سوف نواجه مآزق لمشاريعنا المتعددة.. فكما يظهر من إحصاءات دولية، أن الطلب على الأطباء والاختصاصيين في هذه المهن وكذلك المهندسين، وخبراء الإدارة والمحاسبة، والحاسب الآلي من دول العالم الثالث بات يُغري هؤلاء على الذهاب للدول الأكثر تقدماً، لأن الأجور وميادين البحث ومغريات الشركات الكبرى، إلى جانب تنظيم العمل والتأمين وغيرها، تجعل تلك الأسواق أهم من دول الخليج، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تأتي الإضرابات من العمال الهنود في الإمارات والبحرين، لأننا نعرف كيف أن الأجور المتدنية، والعمل في بيئة حارة جداً، وغلاء جميع السلع، ستكون بيئة طاردة ما لم يتم التنسيق بين هذه الدول، حتى لو أدت الظروف إلى بناء مراكز تدريب داخلها، أو في مواقع المصدر وخاصة العربية التي لديها فائض سكاني ولكن تفتقد التدريب والأداء الجيد.. نحن في المملكة الأكثر سكاناً، ونشكو من بطالة غير عادية، والأسباب والحلول معروفة وممكنة، لكن تباطؤ الإجراءات، والنظر إلى هذه الحقائق بسلبية كبيرة، ثم عدم المقارنة التي تستدعي التساؤل عن نجاح أرامكو وسابك وشركات الكهرباء والبنوك، وعجز مؤسسات وشركات أخرى يديرها القطاع الخاص والحكومي، تفترض تحليلاً موضوعياً حتى لا يبقى العجز مقترناً بسوء التعليم والتدريب، وكذلك التوظيف.. صحيح أن لدينا معوقات في التقاليد من حيث رفض بعض المهن، لكن هذا لم يمنع الشركات التي أشرنا إليها بنجاح استقطابها لمختلف المهن أن تكون النموذج، ليس فقط لإدارة أعمال القطاع الخاص، وإنما لسن النظم والقوانين التي توفر التأهيل والراتب بما في ذلك تأمين المساكن والقروض والعلاج وغيرها، وإلا فسنواجه مشاكل لا تزال في بداية الطريق..