قبل عشرين عاما وقبل ثورة الفضائيات وسحقها لكل القيم والمبادئ التي تربينا عليها كان الفن في الخليج مضرب المثل في الالتزام والاحترام بفضل رواده المطربين الكبار أمثال محمد عبده وطلال مداح وعبادي الجوهر وفوزي محسون وعبدالله محمد من السعودية ومن الكويت عبدالكريم عبدالقادر ومحمد المسباح وغريد الشاطئ وشادي الخليج ومن الامارات ميحد حمد وجابر جاسم وغيرهم من مطربي المجتمع الخليجي المحافظ. لكن ما يحدث الآن من فوضى في واقع الفن الخليجي وبصورة مهينة أمر مخجل، فبعض الفنانين من جيل الشباب أو المتفننين ومن يحاولون قلب الطاولة أساؤوا لمكانة الفن وقدموا هذا العك الغنائي الذي تسبب في إفساد ذائقة الجمهور في السنوات العشر الماضية. البعض منهم امتهن الفن رغماً عنا وحاول بكل ما أوتي من جهد وقوة أن يحقق النجاح بأي طريقة حتى لو اضطر لتقديم الأغنية السخيفة بمعناها الهابط دون أن يمنعه رادع فني أو أخلاقي، وبدون أن يعذبه ضميره على ما يفعله بنا وبأسماعنا التي تلوثت من هذا الضجيج المسمى جزافاً ب(الأغنية). وهؤلاء فاشلون بطبعهم ومنذ أن انطلقوا في مسيرتهم الغنائية ولم يذوقوا طعم النجاح إلا في مناسبات قليلة وبفضل أغان هابطة أعجب بها المراهقين رغم أنها لا تخرج عن نطاق "الطمبقة" والخربطة إلى درجة أنك لا تستطيع أن تخرج بجملة مفيدة واحدة من كل ذلك الضجيج، والمؤسف أن صغار السن من الجماهير أصبحوا يقلدون هؤلاء المطربين ويجارونهم حتى في اللبس وطريقة الكلام والغنج الخالي من الرجولة في بعض الأحيان!. علامات كثيرة أصبحت من سمات فناني هذا الوقت فمن الشروط التي يجب توفرها أن يعلق قلادة في رقبته وأن يجري أكثر من عملية تجميل حتى وإن ازداد بشاعة! وما المانع أيضاً من أن يضع سواراً في معصمه، ويلبس جينزا متهرئا وقميصاً أدخل نصفه السفلي في البنطلون والآخر يرفرف في الهواء رافعاً علم التخلف الفني. بعض الفنانين يقولون إننا نبحث عن الموضة ونرتدي ما تجود به الأسواق العالمية من تصاميم جديدة.. وعبثاً يفعلون! فالفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر لم ينجرف في شبابه إلى مثل هذه الأمور وكذلك محمد عبده والراحل طلال مداح رحمة الله عليه وعبادي الجوهر وحتى فنانات ذلك الوقت لم نسمع في يوم من الأيام ما يشوه صورتهن الجميلة كابتسام لطفي أو عتاب أو رباب أو ليلى عبدالعزيز وهيام يونس وغيرهن من فنانات الزمن الجميل. كنا نعاني قبل العشر سنوات الماضية من تلك الأصوات الدخيلة التي امتهنت الفن وأخلت بمبادئه وجمالياته أما الآن فنحن أمام ليس فقط أصوات دخيلة بل أيضاً أمام فكر عقيم وأسلوب رخيص ومفاهيم شاذة تتسرب من هؤلاء المطربين! باتجاه الأطفال والشباب المراهق، فما رأيك عزيزي القارئ وأنت ترى ابنك او أخاك الأصغر وقد أطال شعره وعلق في صدره قلادة وفي معصمه سوار من الذهب وارتدى الجنز الممزق والمهين وأخذ يتراقص على مشاكل فايز السعيد أو تاكسي مشعل العروج أو رحت ملح.. الخ من الأغاني السخيفة في هذا الزمن الأغبر!. نحن لسنا ضد الموضة ولا نرفض الجديد ولكننا ضد تلك الممارسات الشاذة التي ينتهجها فنانو الأغنية الرخيصة ويصفونها بأنها حضارة وتقدم، وإن كان ما يفعلونه هو التقدم فمرحباً إذن بالتأخر الدائم!.