زمن الزحف اليساري، والاشتراكي، كانت هناك دول عديدة تُستثنى من أي عمل إرهابي، مثل خطف الطائرات، أو تفجير مؤسساتها وسفاراتها بالخارج، لأن السوفيات استطاعوا تدجين تلك التنظيمات وتحويل بعضها إلى مراكز استخبارات وعيون راصدة للداخل والخارج، مما وفر لها العمل بدون تكاليف رغم دعمها لمنظومتها الحزبية، أو من يدور في فلكها، حتى إن القواعد العسكرية، جوية، أو بحرية كانت تتصرف وكأن لها السيادة المطلقة، وتدار من خلف الستار الحديدي.. الغرب ذهب إلى سياسة الاحتواء، والقواعد المتحركة، والحرب الإعلامية المركزة والتجسس بوسائل تقنية ربما كانت متطورة عن المنظومة الشيوعية، حتى إن تسمية الحرب الباردة بين القوتين، جاء تأثيرها على العالم ضاغطاً وموزِّعاً الانتماءات الى يمين ويسار، وامبريالي واشتراكي، ومن أثر الصراع، انفجر إرهاب من نوع جديد تقوده قوى سرية، أو شبه علنية، لكنها لا تمس الدول اللاعبة بمصائر الشعوب والأمم، طالما هي مركز القيادة والتمويل.. في حاضرنا أقام الإرهاب قواعد جديدة تعتمد على مصادر تمويل غير منظورة من عناصر تتعاطف، أو تتلاعب من خلال ما تراه اعتقاداً راسخاً، يجب فرضه بقوة التدمير، بأن أصبحت طالبان والقاعدة، لهما استثناءاتهما، بحيث رأينا بلداناً لا تصلان إليها، أو تحاولان أن تضعاها على لوائح الاستهداف، مع أنها تحمل نفس الديانة، ونمط الحياة والسلوك، وهذا ما أثار تساؤلات فيما إذا كانت تلك الدول تقاوم وصول الإرهاب بدفع جزية، أو تمرير أموالها وحراسة نظمها سواء كانت إسلامية، أو خارجية، أو تقوم بالدعاية لها من خلال منابر إعلامية سرية أو علنية.. لا نستطيع حصر تلك الدول، ولا كيف نجت من ضربات الإرهابيين، لكننا أمام ألغاز هذه التصرفات لا ندري إذا كانت المناعة الأمنية سبباً، وعند ذلك لا نعتقد أن أي دولة عربية أو إسلامية تملك تجارب دول مثل بريطانيا أو أمريكا، تتعرضان لغزو الإرهاب، رغم تقدم وسائلهما التقنية، وتجاربهما الكبيرة في مدارس متقدمة في الرصد والتجسس وقراءة الأحداث من خلال احتمالات قد ينجم عنها فعل حقيقي.. أيضاً ومن خلال الشبكة العنكبوتية التي تتغير مواقعها، وتنغلق شفراتها، وخاصة تلك التي تخدم بطرق مباشرة أو خفية تحرك الإرهابيين، لا يمكن رصد من يخطط لها أو يدعمها مادياً ومعنوياً، أو يؤويها من خلال مراكز خارجية، بمعنى أن مصادر تلك المنظمات يجب التدقيق بها وكيف أن هناك دولاً لم تكتوِ بنار القاعدة وغيرها، وهي تمارس كل ما يجري بالدول الإسلامية أو غير الإسلامية؟.. لا نستطيع أن نتهم أحداً، لكن مثلما كان الغرب والشرق يتصارعان أيدلوجياً وحولهما حزام هائل من الأنصار والمؤيدين، والفاعلين في أداء الأدوار التي تخدمهما، فإنه يمكن تدوير التجربة، أي أن المنظمات الإرهابية يمكنها مقايضة امتناعها عن استهداف دولة ما مقابل تمرير الكثير من أهدافها، وهي مسألة قابلة للتطبيق، وقد اعتدنا على قراءة الكثير من المنظمات السرية مثل المافيا وغيرها، عندما تؤسس قواعدها على الابتزاز أو خيار التصفيات لتُخضع دولاً ومنظمات وبيوت أموال وخبرة إلى شروطها، ونفس الأمر يمكن أن ينسحب على دوائر الإرهاب الحديثة، أياً كان نوعها، أو نمط تفكيرها وأيدلوجيتها، أو من يقدم لها العون والدعم..