مثلما ألقت قضية الثورة الجزائرية بظلالها على الشأن السياسي في المملكة، ألقت كذلك بأهميتها على قوافي الشعر السعودي، فما أن اندلعت هذه الثورة المباركة حتى هب الشعراء في المملكة في تجميدها والوقوف مع ثوارها ومجاهديها جنباً الى جنب حتى أشرق نصرها بعد دحر المستعمر. وقد كان للشاعر السعودي الموقف المشرف لهذه القضية بعد أن رأى قيادته الحكيمة تؤازر المجاهدين والثوار في ثورتهم ضد جحافل الاستعمار وشكلت القصيدة السعودية ملمحاً هاماً في التضامن مع أخوانهم الجزائريين الذين نكل بهم الاستعمار قاتلاً ومشرداً ومخرباً فاندلعت قوافي الشعر السعودي تصور هذا الطغيان وتحث على الوقوف مع الثورة، في هذا الشأن علت قرائح الشعراء في تلك الحقبة مؤكدة حق الشعب الجزائري في حريته واستقلاله. ومن هذا الزخم الشعري الكبير الذي صاحب هذه الثورة، استوقف الباحث الأستاذ محمد عبدالله الدوسري عضو نادي تبوك الادبي بأن يستقرئ هذه الروح الشعرية عند شعرائنا ويجمعها ويعكف على درسها وتحليلها ويخرجها في كتاب بعنوان "ذاكرة الجزائر.. في ديوان الشعر السعودي" وتتبناه وزارة الثقافة والاعلام بطباعته والمشاركة به ضمن الفعاليات الثقافية السعودية في الجزائر، ويحظى بقبول موفق عند النخب الثقافية الجزائرية هناك وتقام له احتفالية كبيرة رعاها معالي وزير الثقافة والاعلام الأستاذ إياد بن أمين مدني. يقول المؤلف في مطلع مقدمته: جاءت قرائح الشعراء السعوديين بقصائد كثيرة تناولت القضية الجزائرية بصورتها العامة وثورتها على وجه الخصوص وشكلت تلك القصائد ديواناً مكتملاً بذاته. ولما سنحت فرصة إقامة الأيام الثقافية السعودية في الجزائر فقد كان مما لا يجوز تجاوزه أن ينجز عمل يوثق تلك الحماسة السعودية للقضية الجزائرية ويرصد أهم ما تمخض عنها من الشعر وظواهره، وأن تجمع في مجلد يلم شتاتها ويمثل جسراً تاريخياً ممتداً بين ماضي العلاقات المتكاملة بين البلدين وبين حاضر هذه العلاقة. وقد عمد الدوسري في هذا الكتاب الى تقديم مهاد نظري الى جانب النماذج الشعرية التي قبلت في هذه القضية، وتناول في مهاده وقفات مهمة لدراسة هذه القصائد التي استوقفته، منها الحضور الجزائري الهام في القصيدة السعودية، ومتابعة الشعراء لأخبار الجزائر من الأخوة الجزائريين والاذاعات العربية والصحافة السعودية التي كانت بدورها تدعم الثورة الجزائرية من خلال نشر القصائد التي تركز على الثورة المشتعلة في الجزائر الى جانب المقالات والأخبار والتعليقات السياسية، الأمر الذي جعل من الشعر وسيلة هامة وسلاحاً للحث والتحفيز والتشجيع وتصوير الشخصيات البارزة في في الثورة الجزائرية مثل جميلة أبو حيرد، كما صورت قصائد الشعراء السعوديين فرحة الشعب الجزائري بالنصر على الاستعمار وتحرير البلاد. ويبرز المؤلف أن هذه القصائد كانت تعبر عن قيم إنسانية كلية مثل فكرة العدالة الإنسانية وثنائية الحق - الباطل، والتحرر - الاستعمار، والاستقلال - التبعية. ويمضي المؤلف قائلاً: إذا كانت الاتجاهات الايديولوجية قائمة بسبب عوامل تاريخية وثقافية فإن الشعر الذي قبل في القضية الجزائرية قد أسهم في تكريس تلك الروح الوثابة ومثل شواهد على نحوها وتطوراتها وامتداداتها. وقد تنوعت موضوعات القصائد التي نظمت في الثورة الجزائرية، لذا فقد لاحظ المؤلف ان بعض القصائد تتناول فكرة الجهاد والثورة وبعضها تهتم بالتحفيز والتبرع للشعب الجزائري وبعضها تتحدث عن شخصية واقعية هي شخصية جميلة بوحيرد. إضافة الى ان الشعراء كانوا يناجون الجزائر بمفردة تتكرر في شعرهم وهي "وطني" و"موطني" وهذا يصعد شعورهم القومي إبان وقوع الجزائر - تحت نير الاستعمار، كما يلمس الدوسري من خلال قصائد الشعراء السعوديين اختزال الصورة الشعرية في أنها أقرب الى البوح الوجداني منها الى التخييل الفني، وقد لجأ بعض الشعراء الى الاعتماد على التشطير ومنهم من لجأ الى قصيدة التفعيلة ومنهم أيضاً من لجأ الى قصيدة النثر، الا أن الشكل الحاضر اكثر من غيره هو الشكل العمودي وقد شغل المؤلف كثرة المنجز الشعري حول هذه القضية واختلط جيده بعفوية المشاعر الجائشة فقد تحتم عليه عدم إدراج كل القصائد فأضحى من الضروري الاكتفاء باختيارات من مجموعة القصائد ذات المستوى الفني الرفيع وتغطية جميع الاسماء الشعرية المشاركة في هذه المناسبة وكذلك التوازن في عدد القصائد ثم عمد الى ترتيب القصائد المختارة الى موضوعات متعددة منها: يوم الجزائر، حماسيات، مناجاة الجزائر وثورته، أوراس، بكائيات، الآخر المستعمر في مرآة الذات والتاريخ والثورة، جميلة بوحيرد، أفراح النصر. كما أضاف المؤلف ملحقاً خاصاً ألحق به ديوان "النار والزيتون في الجزائر" للشاعر عبدالله عبدالوهاب العباسي الذي طبع في تلك الفترة الى جانب الشعراء عبدالله بن إدريس ومحمد جدع وعبدالسلام حافظ وزاهر الألمعي وحمد الحجي وإبراهيم الدامغ ومحمد الرميح وضياء الدين رجب وعلي زين العابدين ومحمد السنوسي وعبدالرحمن السويداء وعلي الشهراني ومحمود عارف وأسامة عبدالرحمن وصالح العثيمين وعبدالله العثيمين ومحمد العقيلي ومحمد عبدالقادر فقيه وثريا قابل وحسن قرشي وصالح الوشمي، اضافة الى جملة من المراجع والمصادر الهامة.