المجموعة الشعرية التي أصدرها الشاعر اللبناني طارق ناصر الدين -من حيث نوع معظم القصائد التي احتوتها - غدت شأنا نادرا في هذه الأيام وربما أعادت القارىء بالذاكرة إلى عهود مضت حفلت بهذا الضرب من الإخوانيات. والقصائد تتنوع وتتراوح بين هزل شديد "الجدية" ودعاب مرح وسخرية ونقد. وهناك في المجموعة قصائد شديدة السخرية تخرج عن هذا التصنيف أو ذاك لتتحول إلى قصائد وطنية ظريفة ظرف مضحكة مؤلمة. الكتاب الذي جاء في 125صفحة متوسطة القطع احتوى على ما يزيد على 45قصيدة وحمل عنوان "قصائد ضاحكة/إخوانيات" وصدر عن مؤسسة الكوكب التي هي فرع من دار رياض الريس للكتب والنشر. كتب الشاعر ناصر الدين مقدمة قال فيها انه عندما طرح عليه صديقه رياض نجيب الريس أن ينشر له مجموعة "إخوانيات" أو قصائد ضاحكة "سمع بعضا منها في مجالسنا الحميمة ظننت أن الأمر دعابة عارضة.. ورددت على الدعابة باهدائه إخوانية من العيار الثقيل". أضاف الشاعر "واعترف بأن قرائي وبعض أصدقائي سوف يحتجون كأن الشاعر الذي بكى وأبكى طوال خمسين سنة ليس من حقه أن يقف قليلا ويضحك".. وزاد على ذلك قوله ردا على أسئلة تستغرب ما يكتب والوطن في أزمة والعصر في أزمة فقال انه يحق له أن يضحك بعد تداخل الأزمات "ولو على طريقة الطائر المذبوح من الألم.." وانه لا يهجو الأصدقاء "أنا أداعب وكل من لا يميز بين الدعابة والهجاء ليس بصديق". وقيل له "كيف تخترق قدسية الشعر واللغة بألفاظ لا تليق".. فأجاب بقوله "في الدين الضرورات تبيح المحظورات". القصائد الساخرة ذات الاتجاه العام أو الوطني وردت تحت عنوان جمعها هو "إشارات". استهلت هذه القصائد بواحدة عنوانها "يا حكامنا" وصفها الشاعر في حاشية بأنها "دعابة غير بريئة لكل حاكم عربي ظالم". في قصيدة "طائفتي" المهداة إلى صديقين مسلمين سني وشيعي هما منح الصلح وأبو أحمد الجشي يقول "سألوني يوما عن طائفتي/ لم أعلم كيف أفيد/ فأنا سني أعشق آل البيت/ وأهلي أبناء التوحيد/ اتوجه للكعبة حين أصلي/ وأحج إلى بيت الله/ وبيت الله وحيد.../ ما طائفتي لا أدري/ والسائل يشزرني ويعيد (ماهذا الهاجوج الماجوج) الممتد وريدا ووريد .../ وعمائم أهل التكفير وأهل التنحير تزيد/ ودم الأطفال يزيد../ تسألني عن طائفتي../ سني لا/ شيعي... لا/ فأنا "سنعي" بالتأكيد/ هربان من سنّة بوش/ هربان من شيع يزيد". عنوان رئيسي آخر هو "إخوانيات" استهله ناصر الدين بقصيدة حملت عنوانا هو "مطربنا" وفيها يقول بسخرية "حنظلية" قاطعة كسكين حاد "مطربنا قمر مشهور/ تعبده نجوم المجتمع/ مصقول السحنة مطلي/ بجميع مساحيق الدلع/ يعوي ويئز تهز له/ أرداف طرن من الولع/ فالقاعة سيقان جاعت/ لا تعرف معنى للشبع/ والمنبر صاروخ يدوي/ فيصيب جذورك بالهلع/ هل إني فعلا رجعي../ يعوزني حس المستمع...../ وتحدد مقياس الإبداع.. هدير الصوت المرتفع/ البلبل ينهق فاسكته/ والجحش يغرد فاستمع.../ أصرخ في وجهك يا دنيا/ لي فوقك ناي من وجعي.../ فالمطرب راقوص سمج/ والمستمعون بلا سمع". ويداعب الشاعر صديقه رياض نجيب الريس بقصيدة بعنوان "يا ريس" فيقول له في مطلعها "ووقعت بين براثني يا ريس/ أين المفر.. وفي يدي مسدس". وبين الإخوانيات والأسماء العديدة من رجال الفكر والأدب قصيدة عنوانها "غسان" موجهة إلى الشاعر غسان مطر قال عنها وعنه "دعابة لرفيق الشعر والقضية غسان مطر". وجاء في القصيدة "إذا باق ثمود. يعود عاد/ فألف هلا بمن هجروا وعادوا/ لقد تعب الشباب من المنافي../ فهل حنت لشيبتنا البلاد/ وغسان حكيم القوم فينا/ يسددنا.. فيخذله السداد/ بأيام الشباب..بدا عجوزا/ فكيف وقد زنا فيه الرماد/ إذا جاءت سعاد فلا يبالي/ ويبكي كلما بانت سعاد..".