الحملة العنيفة الصارمة من قبل الكرملين ضد المجلس البريطاني قد اذهلت كثيرين في المملكة المتحدة حيث ان معاقبة عشرين الف مواطن روسي يدرسون اللغة الانجليزية في المجلس تبدو بمثابة هزيمة ذات لأولئك الذين في لندن كما كان حالهم في الاعتداء الاشعاعي قبل اربعة عشر شهراً والذي اودى بحياة الكسندر ليتفينينكو، وربما يكون نوعاً من منهاج الجنون ولكن من اجل فهم ذلك فإنك تحتاج لالقاء نظرة على الاشياء بعيون موسكو او من وجهة نظر الكرملين. حيث ان المتاعب التي واجهها المجلس البريطاني تعد من تبعات الاعتقاد الروسي بأن بريطانيا انتهجت طريقاً عدائياً متعمداً عندما رفضت تسليم عدو بوتين اللدود بوريس بيريزوفسكي ومنحت حق اللجوء لليتفينينكو المنشق عن جهاز المخابرات الروسي. وكان الروسيان الهاربان من بلدهما قد اتهما الرئيس بوتين بارتكاب جرائم حرب في الشيشان وتدبير اعتداءات ارهابية في موسكو بهدف التحريض على هذه الحرب وبالتالي فإن منح الرجلين حق اللجوء وضع بريطانيا في قائمة الاعداء وجعلها ساحة قتال للكرملين التي ارسلت مجموعة قتل مزودة بمادة اليولونيوم المشعة الى وسط لندن باعتبار ذلك من مرئيات الجنون الروسي عملاً جيداً تماماً. وفي الحقيقة فإن هذا هو منطق عملاء المخابرات الروسية الذين دربوا على النظر لأي شيء غربي بما فيه المجلس البريطاني بأنه جزء من شبكة عدائية تخريبية وفي واقع الامر فإن رسالة بوتين لجماهير بلاده والتي تعززها وتروج لها الآلة الدعائية للكرملين تقول بأن استئصال دورات تعليم اللغة الانجليزية تعتبر عملاً منطقياً فضلاً عن الايعاز للشعب الروسي بأن حماية متهم بالقتل يعتبر طعناً في الوطنية الروسية. ومن جانبها فإن الحكومة البريطانية عملت منذ البداية ضمن جهود حثيثة للحد من ضرر قضية ليتفينينكو على علاقاتها مع روسيا حيث حرصت السلطات البريطانية على عدم القول بوضوح بأن الكرملين كان وراء قتله غير انه وللاسف فإن الكرملين غير حريص على الانفتاح على ثقافة يعتبرها عدائية وتخريبية ومثار تهديد وان حكام الكرملين حريصون فقط على احكام قبضتهم على السلطة وبالتالي فإن تدريس اللغة الانجليزية غير مساعد على تحقيق هذا الغرض. وفي عام 1946كتب مهندس سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي جورج كينان ان اساس وجهة نظر الكرملين العصبية تجاه الشؤون العالمية تتسم بالتقليدية وبالشعور الروسي الداخلي بعدم الامان والخوف من مجتمعات اكثر تنافساً وقوة واكثر تنظيماً مما جعل الحكام الروس يشعرون على الدوام بأن نظام حكمهم ميت نسبياً وهش ومصطنع وبالتالي فإنه غير قادر على ان يكون محك مقارنة مع انظمة سياسية لدول غربية. ويوضح تحليل كينان بأن الروح العدائية لدى الكرملين ناشئة من شعور داخلي لا يمكن استرضاؤه بإيماءات حسن نوايا من الغربيين حيث ان الغرب نفسه باعتقادهم يشكل تهديداً بوجوده مضيفاً بأن الحكومة الروسية الحالية تعد حقيقة وريثة لهذا المفهوم القديم الذي يعود لمئات القرون ولذلك فإنه من المقبول لديها النظر لأولئك العشرين ألف شاب روسي الذين اتجهوا لتعليم اللغة الانجليزية على انهم جزء من الشبكة التخريبية بل وطابوراً خامساً. وعندما كان الكسندر ليتفينينكو يحتضر في المستشفى الجامعي في لندن فإنه كان يجد العزاء في التفكير بأن موته سيصبح دعوة لايقاظ اولئك الذين يحاولون تهدئة الشر الذي كان يقاتل ضده، فقد اعتاد القول بأنك لن تستطيع تهدئة ثور هائج ولكن يمكنك فقط الوقوف امامه وان اعتداء شرطة أمن الدولة الروسية على معهد بريطاني ثقافي ينشر العلم يؤكد صحة قوله. "صحيفة التلغراف اللندنية" @ كاتب المقال اليكس غولدفارب مؤلف مشارك مع مارينا ليتفينينكو لكتاب موت المنشق الروسي الكسندر ليتفينينكو مسموماً وعودة جهاز المخابرات الروسي القديم.