اشتكى عدد من عملاء أحد البنوك الألمانية من عدم توافر مواقف كافية حول البنك، وكانت هناك شجرة كبيرة قريبة من مدخل البنك، فما كان من مدير البنك إلى أن قطع هذه الشجرة للاستفادة من مكانها في توفير مواقف للعملاء، وعند الصباح توافد العملاء على البنك، ولما لم يجدوا الشجرة في مكانها سحبوا أرصدتهم احتجاجا على قطعها. فهل سوف يصل مستوى المسؤولية عند العملاء السعوديين إلى هذا الحد وأنا أرى بأم عيني الإقبال على شراء الحطب في أيام البرد كما في أيامنا هذه؟ هل سألنا عن مصدر هذا الحطب؟ أليس مصدره شجرة في صحرائنا الجرداء القاحلة قام هذا الرجل بقطعها من أجل حفنة من الريالات؟ هنا نجد أنفسنا مضطرين للتساؤل عن التشريعات الخاصة بالمحافظة على البيئة. من كل ما سبق، وبناءً على ما رأينا من ارتباط المصلحة العامة بمصلحة المستهلك كان منشأ الاهتمام بأخلاقيات التسويق التي هي جزء من أخلاقيات الأعمال عمومًا، إلا أن هذا الجزء يهتم بالأخلاقيات المرتبطة بشكل مباشر بعملية التسويق، وخصوصا ما يتعلق منها بجودة المنتَج، وسلامة المستهلك، والأسس التي يتحدد بموجبها سعر السلعة، إضافة إلى حق المستهلك في الاطلاع على المعلومات الأساسية حول المنتج. ونظرًا لانعدام الرؤية الكافية والصحيحة لدى المهتمين بمجال التسويق بالمملكة العربية السعودية، وما ينتج عن ذلك من عدم التفريق بين ما هو صحيح وما هو غير صحيح - لا نقول تقصيرًا من المهتمين ولكن نظرًا لطبيعة التسويق المتشعبة، وعدم وجود بيئة تساعدهم على معرفة ما هو الصحيح وما هو الخطأ في هذا المجال نتيجة العمر القصير لوجوده كعلم مستقل، وخاصة في المملكة التي لم يحظ هذا المجال فيها بالاهتمام الكافي بعد - ومن خلال خبرات متراكمة في تدريس التسويق ومقابلة العملاء والمشتغلين بالتسويق من رجال أعمال وموظفين؛ فقد تكونت لديّ قناعة بأننا بحاجة إلى تطوير آلية لوضع إطار لأخلاقيات التسويق تكون عونًا لكل من تهمه هذه المهنة، ويسعى إلى تطويرها لتأخذ مكانها اللائق بها كخدمة ضرورية للوساطة بين المنتج والمستهلك. من هنا أخذت على عاتقي دراسة نموذجين من نماذج النظم المتحكمة في أخلاقيات التسويق، هما النموذجان المعتمدان في أمريكا وبريطانيا؛ إسهامًا مني في إثارة مزيد من الاهتمام بهذا العلم، ولعل ذلك يكون خطوة أولى نحو تبني ميثاق شرف أخلاقي مماثل للمسوقين بالمملكة، وعسى أن يكون منطلقًا للمختصين إلى تعميق نظريات التسويق وتقريبها للجمهور العريض بالسوق السعودي. ومع أنني أعتقد جازمًا بأن شريعتنا السمحة فيها ما يغنينا عن تتبع أي أنظمة أخلاقية أخرى إلا أن الخوض في مثل هذه القضايا من وجهة نظر شرعية يحتاج إلى عالم متخصص في الشريعة والمعاملات يوضح الجائز منها وغير الجائز من وجهة نظر إسلامية. لذا أهيب برجال الشريعة أن يقوموا بدورهم في هذا الأمر، وأن يهبوا إلى بناء نظام متكامل لأخلاقيات التسويق مؤصل وقائم على الشريعة الإسلامية. وأنا هنا سوف أحاول أن أتجنب أي نقطة فيها لبس أو عدم وضوح، أو فيها شبهةُ تعارضٍ مع الشريعة. لذلك سأركز على الأخلاق والمفاهيم التي ينبغي أن تسود عملية التسويق، وفي نفس الوقت لا تحتاج إلى بحث عميق أو تخصص شرعي للجزم بأنها مطلوبة شرعا، بل إنها من صلب الأخلاق الإسلامية، مثل الأمانة والإخلاص وحب الخير للآخرين ومساعدتهم. *أستاذ التسويق المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن عضو مؤسس بالجمعية السعودية للتسويق