يبدو أننا في سالف الأيام كنا نمارس نقدا ترفيا للخطوط السعودية دون أن نعلم، حينما تتأخر إحدى رحلاتها لنصف ساعة أو لا تروق لنا ابتسامة أحد مضيفيها، إلى أن كشف لنا واقع الحال مع شركات الطيران الأهلية سوء ما كنا نفعله. كنا مع السعودية قبل عشرين عاما نستقل الايرباص في رحلاتنا الداخلية، وحينما نستوي على مقاعدها الوثيرة، تنحني لنا إحدى المضيفات بأدب جم لتهمس في آذاننا: (ستيك لحم أو ستيك دجاج؟).. كان منا من يتصنع الصداع ليطلب قرصا من الأسبرين، أو يتصنع الثقافة ليطلب جريدة باللغة الانجليزية، باختصار شديد كنا نتدلل، وإذا بنا فجأة نعود لمروحيات الداكوتا وما في مستواها، والتي تقطع ما كانت تقطعه السعودية بساعة بثلاث ساعات إلا قليلا. كنا نأتي إلى المطار قبل ساعة من قيام الرحلة، وحينما لا يتطابق موعد صعودنا إلى الطائرة مع ما هو مكتوب على بطاقة الصعود نبدأ بالتأفف.. نتبادل الحديث مع من يجلس بجوارنا بكيل الشتائم للخطوط السعودية، تماما كما يستهل الغرباء حديثهم مع بعضهم البعض عن أحوال الطقس. كان طلابنا في العاصمة يمضون عطلة نهاية الأسبوع مع ذويهم في مختلف المناطق، وإذا بهم مع ناقل المتاعب الجديد يمضونها في المطارات بالتأخير و(الشحططة)، ونبش الأفق خلف كل طائر يطير بجناحيه أو كيس من النايلون حملته الرياح بحثا عن طائرة ستحط بلا موعد أو بموعد زئبقي. كنا نفعل كل هذا وأكثر، إلى أن دفعتنا اليوم هذه الشركات لذكر محاسن خطوطنا التي أقلعت عن خدمتنا وليتها لم تفعل. ولأني لستُ في وارد رواية ما يحدث مع هذا الناقل الجديد اسماً القديم مضمونا وإمكانات، بعدما ضج الناس بالشكوى، وأريق من حبر الصحافة ما يكفي لفرش كل مدارج المطارات التي تئن من تلك الخدمات العرجاء.. ولأن نبوءة من طالبونا بالصبر لإتاحة الفرصة أمام الناقل الجديد لم تفض إلا لمزيد من الارتباك، ولأن الصبر قد عيل صبره.. فهل ندعهم وشأنهم؟ هل نستجدي المرور وأمن الطرق بأن يسمحوا لنا بجرعة من السرعة على الطرق الطويلة على كل ما فيها من المخاطر، وأن يخففوا من تحرير المخالفات، لنستعيض بها عن خيبتنا مع الطيران؟، فمنا الطالب المتشوق لحضن والديه، والمريض المرتبط بموعد طبي لا يتحقق له إلا بالأشهر، ورجل الأعمال الذي يطارد فرصة لا تحين إلا لماما. أخيرا (يا سلامي عليكم يا السعودية) من أحمد مطر إلى المهندس الملحم!.