عندما نتحدث عن الأمر كثقافة فإننا بالطبع لا نقصد كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان أننا سنتحدث عن أمر ثانوي وذلك بحسب النظرة الشعبية إلى الثقافة باعتبارها أمراً ثانوياً كما لن يكون الحديث بالطبع موجهاً إلى فئة أو عمر أو نوع بل سيكون الحديث عن ثقافة الأولويات موجهاً إلى الجميع وعلى مختلف المستويات على اعتبار أننا للأسف نعاني نقصاً حاداً في وجود مكونات هذه الثقافة بين تجاويف عقولنا التي تسهم كثير من المؤثرات في جرجرتها يمنة ويسرة وبحسب قوة تلك المؤثرات يكون انشغالنا عن أولوياتنا الهامة. لن يكون لهذه الثقافة وجود بالتأكيد في أجواء فوضوية لا تجعل التخطيط أحد أهم منطلقاتها الحياتية وقواعدها الاستراتيجية وليس الحديث عن الظروف والأوضاع الخاصة والأزمات فلن تطلب من عاقل ان يسير في طريق خططه وأولياته بينما بيته يحترق! ولذلك فإن أكثر المتحمسين اعتذارا عن غياب هذه الثقافة هم الذين يرددون دوماً مثل هذه الأعذار وهي ان صحت ووجدت في أوقات عابرة فإنها بالتأكيد لا تمنحنا عذراً كافياً عما نحن فيه من تخبط مؤسف. سرني الإعلان عن برنامج وزارة التربية والتعليم (مجتمع بلا أمية) - على سبيل المثال - والذي يهدف إلى ردم الكثير من حفر الجهل وبحسب آخر الاحصائيات فإننا نملك (23%) من النساء الأميات و(8%) من الرجال ولم نعلم ان برامجنا السابقة في مكافحة الأمية كانت متعثرة إلاّ الآن بعد مرور سنوات طويلة ومؤسفة مرت على الكثير ثم ها نحن نخصص لهم برنامجاً تقوم وزارة التربية وحيدة بحمل أعبائه ضمن أعبائها الكثيرة وإذا نظرنا إلى الجانب الصحي والمراكز الصحية الكثيرة التي تنتشر في طول هذا الوطن الغالي وعرضه لوجدنا ان طاقم تلك المراكز من الأطباء هم من غير أبناء هذا الوطن وهم أيضاً تحت مسمى (طبيب عام) يقدمون خدمات متواضعة كان يمكننا ان نقدمها عن طريق أبنائنا وبناتنا بتعليمهم أدوات الطب العام فيما لا يزيد عن خمس سنوات.. يقابل ذلك نجاح في جوانب تخصصية دقيقة (كفصل السياميين) قد لا يحتاج إليها - رغم أهميتها - في طول الوطن وعرضه إلاّ القليل النادر! وهنا سنتساءل عن أولوياتنا وثقافتها الغائبة. عندما ننظر إلى طرقنا وشوارعنا الممزقة بمشارط الصيانة والخدمات الاتصالية أو الكهربائية أو التصريفية وعن كون هذه الأحياء الممتدة شيدت مبانيها الرائعة وأنشئت طرقها المتشابكة ثم بدأت الخدمات تفد تباعاً سنتفقد من حولنا بحثاً عن الأولويات! ولن استطرد في ضرب الأمثلة لغياب الأولويات في الأمور العامة وسأعود إلى غياب هذه الثقافة على الصعيد الشخصي وهنا ستبدو أكثر خفوتاً.. نهتم كثيراً باختيار الطعام المناسب ولكن ماذا عن الفكر المناسب! نهتم كثيراً باختيار الملابس الأنيقة بحسب آخر صيحات الموضات.. ماذا عما تحت تلك الثياب من وعي وعلم وتفكير! نهتم كثيراً بأن نبدو أصحاء وأقوياء.. ولكن ماذا عن تصريف تلك الصحة والقوة والاستفادة من خدماتها الرائعة! تقف الأسرة الجديدة على قدمين مرتجفتين فالفتى والفتاة.. اهتما بترتيب كل شيء.. ولكن في غياب مؤسف لتلك الثقافة.. فكانت نسبة الطلاق لزيجات العام الأول من أعلى النسب في العالم! حتى في مشاعرنا في الحب والكره في الاعجاب والتقليد في القرب والبعد.. لم يعد سلم الأولويات موجوداً.. وإن وجد.. فبدرجات كثيرة ساقطة ومحطمة.. صدقوني لم ينطلق هذا المقال من موقف بل من تأمل وتفكير ودراسة لواقع ليس كالحاً تماماً ولكنه يحتاج إلى الكثير من الترميم وفق سلم مدروس للأولويات على الصعيد العام والخاص.. وليكن التخطيط الهادئ هو المنصة التي ننطلق منها.. وسنصل لأهدافنا سريعاً.. بعد ان يأذن الله ويوفق.. واسلموا جميعاً.