(عش لحظتك، وحاول تحسين وضعك الحالي كما هو، إذا لم يكن بوسعك فعل المزيد). جاك نيكلسون @@@ لم تكن ذات يوم بحال أحسن مما أنت عليه الآن. تبدو الحياة في مجملها هامسة لك، حاضنة لأيامك. كل ما كنت تحلم به بدا حاضراً امامك. كانت تلك أحلاماً ذات يوم، بل هي الجزء الأساسي في احلام الحياة. كانت أقصى أمانيك أن تشعر بإشارات من بعيد ربما لم تصل إليها يوماً تناديك أو تقرأ أحلامك. استوردت الإحساس بالأمان المتكامل وأنت تلمح فقط تلك الإشارات عن بعد. أحسست ان ما يجري هو العدل، وأن معاناتك تلك الأيام هي المشاعر الأكثر شفافية، وهي القضية الأكثر مصداقية. انتظرت أن تتحسن الأوضاع. فتحت خرائطك، قرأت المدن، وحددت الممرات، ووقفت أمام الصور. لم تتعثر وأنت أمام الخارطة المتجمدة تماماً، لم تيأس، وأنت تقرأ فراغ المدن من الوجوه، وغياب الحياة داخل كل قارة. تحررت من خوفك، واعتبرت نفسك مسؤولاً عن تمهيد ممرات الوصول. بدت لك تلك الممرات كالبحر الهائج وهي تحتاج إلى معانقة الإحساس بالمسؤولية قبل الوصول إليها. تذكرت قول نزار قباني (لا تقترب من البحر وأنت خائف منه). الحلم حلمك، والحرب حربك، والعطر سيكون توهجك غداً، وما ستصل إليك ستضمه وحدك. وستبقى ملاحقاً بفرحك دون أن تكون مطالباً بعرض صوره. تقدمت.. خطوت.. شعرت أنك محكوم بتقدمك.. حاصرك إشعاع غامض بالوصول.. إلى مدن ظلت حكراً على وصولك لها في أحلامك. وصلت.. لم تقرأ الوصول بكل اللغات.. اكتفيت بلغة واحدة فقط هي لغة الاستقرار. لغة ما تريده أنت أمامك ومعك، وتمتلكه. فجأة أصبحت عاطلاً عن الأحلام. تفرغت لتفتيت اللحظة.. ومراقبتها.. وليس للاستمتاع بها. لم تحاول أن تعيشها، أو تذوب داخلها رغم جماليتها ظللت تنظر حولك.. تحاول إيجاد ثغرات لتكسير هذا الجمال والإقلال من طعم الوصول. شعرت بالعجز لأنك غير قادر على تجاوز ما أنت فيه، وما وصلت إليه. كل الظروف لا تساعد على التجاوز.. لأن الحدود مغلقة، ولأن هذا هو ما ينبغي الاكتفاء به، والتعايش معه فقط.. فقط.. فقط. أنت لا تزال تعاني. وستظل تتألم. وستظل محروماً من المتعة لما بين يديك. وستظل دائماً تقلب في ملف حياتك معتقداً أن الكثير من الأوراق لا تزال بعيدة عنه، وينبغي أن تكون داخله رغم عدم أهميتها لو حاولت أن تعيد النظر مرة أخرى في داخلك.