في يوم بارد دخلت على رئيس القسم مسلماً فبادرني بابتسامة وقال لي مازحاً: (ما عندك غير ذا الجاكيت)، لم يكن (جاكيتي) سيئاً كان من الصوف الانجليزي الجيد اشتريته حينما كنت أدرس في بريطانيا قبل 12سنة، وظل بحالة ممتازة لأنني لا أستخدمه سوى لأيام معدودة في السنة وهو في نظري كالجديد. طبعاً الأمر كان مداعبة من صديق، ولكن اكتشفت أن للأمر وجهاً آخر أكثر عمقاً لثلاثة مواقف: الأول عندما أراد مدرسنا في اللغة الإنجليزية في بريطانيا ترتيب هندامه وكان له جاكيت أخضر مميز فبان كم هو مهترىء ببطانة مقطعة لأنه كان من أنصار حماية البيئة بل من أشدهم حماسا، الثاني عندما قرأت مقدمة كتاب الفنانة السويدية مالن باسل، وقد أشارت فيها إلى كنزة أهدتها لها والدتها وهي في السن الرابعة عشرة، و ما زالت تستخدمها حتى كتابتها للمقدمة على الرغم من أنها اهترأت وتغير لونها، لأنها في نظرها تحمل عبق تاريخها وذكرياتها، و كان الموقف الثالث هو الذي ربط هذه الصور جميعها، وهو مشاهدتي لفيلم قصير أعدته الفنانة (ANNIE LEONARD) تحت اسم قصة المنتجات الاستهلاكية (THE STORY OF STUFF)، وهو عرض ممتاز للتوعية بمخاطر الاستهلاك على بيئة كرتنا الأرضية، ويعتمد على إلقاء الفنانة للموضوع بعبارات سهلة ورسوم توضيحية في منتهى البساطة ترافق الانتقال من نقطة لأخرى. لقد أشار العرض إلى الدور الذي يقوم به المنتجون في جعلك تغير ملابسك و حاسبك الآلي وسيارتك وكل ما تشتريه من سلع استهلاكية عبر جعلها (قديمة) على الرغم من صلاحيتها للاستخدام، لم تعد الأشياء الاستهلاكية هي تلك السلع التي تستخدم لمرة واحدة بل تم جعل كل السلع تقريبا سلعاً استهلاكية بتكريس عامل القدم وتقصير مدته عبر ماكينة الدعاية الإعلانية الهائلة. هذا الفلم هو مثال لمساهمة الفنان بإيجابية في قضايا مصيرية ليس على مستوى الحدود الوطنية بل على مستوى العالم. و لأن الفيلم خيري ويمكن الحصول عليه مجانا فيسرني وضع رابط التحميل من شبكة الانترنت(WWW.STORYOFSTUFF.COM): و أتمنى أن يتم تعريبه. وفي هذا السياق أود التأكيد على أهمية دور الفنان التشكيلي في التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة ليس بالأسلوب التقليدي المعروف، بل بالعمل المباشر في صيانة البيئة بمدخل فلسفي فني، وهو اتجاه ظهر بقوة في الغرب بما يعرف بالفن البيئي. كم أتمنى أن أشترك مع بعض فنانينا في إعادة تأهيل مَحءجَر مهجور بفلسفة فنيّة.