عندما جلست مع قادة شركة باراماونت خلال جلسة اختيار الممثل الرئيسي لفيلم (العرّاب The Godfather) اقترحوا اسم الممثل الإيطالي كارلو بونتي فرفضته مباشرة حيث أن ملامح الشخصية التي اردتها كانت لأمريكي من أصل إيطالي وليس لإيطالي كبونتي. وعندما قالوا من تقترح أجبت بقولي: "أرغب بممثل أمريكي من أصول إيطالية أو بممثل عبقري يقنعني بأنه كذلك" وأضفت: "لحظة.. من أفضل ممثلي العالم اليوم؟ إنهما لورنس اوليفير ومارلون براندو. ولأن (براندو) لا يزال في السابعة والأربعين من عمره فهو لايزال صغير مقارنة بالدور لذا ربما نختار لورنس". أجابوا بأن لورنس مريض ولا يقبل بأي أدوار جديدة بالإضافة إلى أنه ليس بأمريكي أو إيطالي! بل انجليزي الجنسية، كما أبدوا ممانعة في اللجوء لبراندو الذي عرف عنه مزاجيته المتقلبة وطلباته الغريبة وردود فعله الغير متوقعة وهي أمور تسببت في بلبلة وإرباك التصوير لبعض الأفلام السابقة له. لم أقتنع بممانعتهم، ف(براندو) هو خياري الآن وسأستخدم المكياج ربما لأقنع الجمهور بكهولته. توجهت لمنزل الممثل الأول في هوليوود (براندو) وطلبت مقابلته. نزل علي بلباس النوم وأخذ يستمع مني لدقائق حول الفيلم والشخصية التي أوده أن يلعبها، وأثناء ما كنت أتحدث أخذ هذا المعتوه بوضع مناديل ورقية في فمه الأول بعد الآخر! أتراه جن؟ أعرض عليه أهم أدوار هوليوود وهو يأكل المناديل!! لم أتوقف بل واصلت الحديث رغم عجبي من فعلته. رن جرس الهاتف، فقام من أمامي ورفع السماعة وقد امتلأ فمه بالمناديل حتى أصبحت خدوده متدلية كوجه كلب "البولدوج"! وبدأ يتحدث مع المتصل بصوت مبحوح غريب وأخذ يجري المكالمة وكأن الأمر عادي. يا إلهي، للتو انتبهت.. هذا هو الدون فيتو كورليوني (شخصية العراب) الذي يقترحها براندو! لقد قدمها لي مباشرة دون وصف بكلمات. بهت من التصرف ومن هذا الاختيار العبقري وأصررت على أن يقوم بأداء الدور بنفس الصوت والمظهر. عدت للمنتجين وقاتلت حتى أقنعتهم ببراندو فرضخوا لطلبي بعد مماطلة. ورغم أن (براندو) لم يكن يحفظ حواراته بل كان يستعين بكروت مكتوبة توضع له في أماكن لا تظهرها الكاميرا إلا أن أداءه كان عظيماً سحر به الحضور وأولهم المنتجون. قدم براندو في الفيلم أداء خلده في ذاكرة الفن، وفاز بجائزتي الجولدن جلوب ثم الأوسكار وتصدر الفيلم العديد من القوائم النقدية التي اختارته ضمن أفضل أفلام التاريخ على الإطلاق. لن أنسى تجربة إدارة ذلك الممثل الصعب المراس في أهم أفلامي ليس فقط لتمثيله الدور، بل لأمر آخر قد تستغربونه، وهو أن المشاهد الأولى لم تعجب المنتجين وظنوا أنني لن أوفق في إدارة الفيلم كمخرج فقرروا جلب المخرج الشهير (إليا كازان) ليكمل المهمة! ولأنهم كما ذكرت أُعجبوا ببراندو قرروا إبقاءه، إلا أن براندو وجه لهم صفعة عندما أعلن بأنه سيترك الفيلم إذا عزلني المنتجون عنه! ورغم أنهم كانوا كارهين له إلا أن اللقطات التي شاهدوها له جعلتهم يرضخون لطلبه ويبقون علي! ألم أقل لكم بأنه مجنون؟!