تشير الإحصاءات الميدانية كل عام إلى ما يمكن وصفه بتفاقم أزمة المسكن التي تعاني منها شريحة واسعة من مواطني المملكة لأسباب متفاوتة ومنها ارتفاع معدلات النمو السكاني وغلا المساكن الخاصة وإيجاراتها وتزايد الطلب على الوحدات السكنية التي تتوفر فيها مقومات ومتطلبات خصوصية المجتمع المحلي. ومن الفئات الاجتماعية التي تزداد حاجتها للسكن المناسب إلحاحا هم ذوي الدخل المحدود تتبعهم فئة الفقراء والمعوزين اللذين تتضاعف حاجتهم للمساكن في ضوء تفاقم أزمة السكن وعدم توفر بدائل أو خيارات مقبولة .. حتى تحولت ظروف هذه الفئة إلى ظاهرة استدعت إيجاد حلول مبسطة ومستديمة تقيهم شر البحث عن مأوى في ظل أزمة تزاحم الطلب وقلة العرض وتضائل الفرص في تملك منزل دائم. وفي هذا الجانب جاء مشروع الإسكان الشعبي الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين رافدا مهما في هذا المجال أعاد شريحة من فقراء المجتمع إلى دائرة الاهتمام ووضع همومهم في صدارة خطط الإسكان لينالوا بذلك نصيبهم في الحصول على سكن ملائم يساير ماتصبو الدولة إلى تحقيقه من رخاء واستقرار وتوفير أساب الحياة الكريمة لكل مواطن وفقا لخطط التنمية المستدامة. فقد كان للزيارة الميمونة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيده الله أثرها الواضح في خطوات تحسين شئون ومناخ ما يتصل بحياة المواطن اليومية حيث أخذ المليك حفظه الله زمام المبادرة في إصدار أوامره بدراسة وضع المساكن الحالية والاحتياجات المستقبلية للأسر المحتاجة وصولا إلى إنشاء عشرات المشاريع الإسكانية في مختلف المناطق بداء بالأكثر احتياجا بلغت كلفتها مليارت الريالات للتتأهب تلك المشاريع لخطط توسعية ستطال القرى والهجر المحتاجة. لتستفيد من إفرازات هذه المشاريع كافة الفئات المستهدفة. ومع كل هذا العطاء كان ل "الرياض" بعض الوقفات مع شريحة من المواطنين الراغبين في الحصول على مساكن شعبية لا تبتعد كثيرا عن بيئتهم المحلية التي بنوا فيها الكثير من العلاقات المتينة واعتادوا على التعايش مع محيطهم الديموغرافي وتفاعلوا معه بشكل إيجابي على مدى السنوات الماضية ليكون بذلك رديفا لمشروع الوحدات السكنية التي تنفذ في الوقت الراهن في مناطق وأحياء محددة تجبر الأسر على التخلي أحيانا عن محيطها وبيئتها إلى تربت بين أحضانها إلى بيئة جديدة في أحياء قد لا تجد فيها ما ينمي عناصر التمازج بينها وبين مكونات بيئتها الجديدة. وهنا تبادر "الرياض" إلى طرح تصور جديد يجاري ما يتم تنفيذه الآن من مشاريع إسكانية رائدة تستسقي من المجتمع عناصر نجاحها إذا ما توفرت الدراسات والخطط التطبيقية اللازمة لتحقيقها وتلخص هذه الرؤية بما عبرت عنه شريحة عريضة من المواطنين محدودي الدخل من الراغبين في السكنى في البيوت الشعبية في الأحياء القديمة نسبيا. ففي مدينة حائل على سبيل المثال هناك أحياء قائمة بذاتها تتوفر فيها كل أسباب الحياة الكريمة والخدمات الجيدة كما هو الحال في بقية مناطق ومدن المملكة الأخرى لا ينقصها إلا بعض الأعمال التكميلية لتناسب ظروف السكن المستهدفة. تذهب شريحة عريضة من سكان مدينة حائل إلى الاعتقاد بان المنازل الشعبية التي أنشئت إبان فترة الطفرة في الماضية بمقتضى نطام إقراض المواطنين من صندوق التنمية العقاري في ذلك الوقت قد تحولت في الوقت الراهن إلى دور مهجورة جراء انتقال أصحابها إلى منازل أوسع وأكثر ملائمة في المخططات الجديدة فيما بقيت تلك الدور تصارع عوامل الزمن وتتحول تدريجيا لمنازل خاوية عديمة النفع بالرغم من توسطها الحركة العمرانية واحتفظها بالكثير من المزايا التي تؤهلها لأن تكون السكن المناسب. ومن أبرز تلك المزايا هي وجود هذه المنازل في أحياء تتوفر فيها كافة الخدمات الأساسية وبنى تحتية وفوقية تجعل من فرص السكن فيها خيارا مفضلا لدى الكثير من الأسر المحتاجة وخاصة أنها تتوسط المدن وتتناغم مع بيقه الأحياء بشكل طبيعي لا يميزها عن غيرها من الأحياء.. فضلا عن توفر البيئة الإنسانية لتكوين العلاقات الطبيعية بين سكان الأحياء من دون تمييز تلك المنازل عن غيرها بما يحفظ لهم العيش في وضع مستقر لا يفرق بينهم وبين غيرهم من الساكنين في منازل قد يقع بعضها خارج النطاق العمراني مما قد يفرز انعكاسات نفسية واجتماعية سلبية على المدى المتوسط والبعيد.. وتؤكد تلك الأطروحات أن من الأمور المحفزة لسكنى تلك الأحياء عامل مهم للغاية وهو استصدرا قرار يعفي ساكني تلك المنازل من دفع مستحقات صندوق التنمية عن طريق تخصيص مبلغ بناء مسكن جديد خارج النطاق العمراني لصالح إعفاء الراغب في سكن المنزل الشعبي من القرض عقب نزع ملكيات المنازل غير المأهولة لغرض إسكان أسر بحاجة للسكن وهي منتشرة للغاية في أحياء الوسيطاء والبادية والعزيزية وغيرها من الأحياء التي لا يرغب الكثير من ملاك المنازل الأصليين في دفع مستحقات صندوق التنمية لأساب مختلفة.. وهم على استعداد للتنازل لطرف ثان بالمجان مقابل تخليصه من القرض المستحق. وهنا يبرز مدى الحاجة إلى إعادة النظر في وضع تلك المنازل ومدى القدرة على فتح هذه النافذة لغرض إسكان الأسر الراغبة وهو الأمر الذي إذا ما تحقق فإن الكثير من العوائل ستحظى بسكن ملائم لا ينقصه إلا بعض التعديلات ليتحول إلى سكن ملائم ومستوفي الشروط.. وهذا ما يمكن معالجته من خلال دفع مستحقات صندوق التنمية من وفر المخصص لبناء مسكن ضمن المساكن الشعبية لصالح سداد القرض وترميم المسكن بل وتوفير قدر كبير من الأثاث المطلوب من وفر المبلغ المتبقي. وذلك ما سيضمن بقاء الأسر في محيط حاراتها التي ترغب في سكنها وكونت في أزقتها علاقات أسرية متينة مع جيرانها المتقاربين بينهم في الكثير من القواسم.. علاوة على ما سيضفي على الأحياء المتقادمة من تطوير ملحوظ خاصة مع توفر معظم الخدمات الرئيسية من سفلتة وإنارة ومياه ومدارس ومستشفيات قد لا تتوفر حقيقة في الأحياء الجديدة إلا بعد سنوات طويلة من الصبر والجلادة.. مما يضع فرص بقاء الأسر محدودة الدخل في تحد صعب. كما ذهبت بعض من تلك التأملات إلى فرضية الإستفادة من المنازل الكبيرة عبر تقسيمها إلى منزلين أو أكثر بحسب حاجة كل أسرة وربما زيادة تعداد أفرادها مستقبلا. الكثير من تلك البيوت الشعبية قد تحولت في وضعها الراهن إلى شوكة في خاصرة الخطط الإنمائية للأحياء المتقادمة وسط المدن.. إذ هجرها ساكنوها ليقيموا في منازل غيرها فيما ضلت تلك المنازل رهينة المبايعات الوهمية تتقاذف أوراقها الصورية الأيادي التي تبحث عن مسكن في حين تبقى صكوكها رهينة صندوق التنمية لأجل غير مسمى حتى يتم سداد ما عليها من مستحقات لم يبق في الكثير منها إلا القليل لتكون بعد ذلك رافدا لدعائم التنمية المستدامة التي تنشدها الدولة.. بدلا من بقاء هذه المنازل في قبضة العمالة الوافدة التي حولتها إلى مساكن عشوائية أو بقائها كمكبات للنفايات في هدر واضح لواحدة من الحلول الدائمة عبر مساكن لا ينقصها الا القليل لتكون سكنا مناسبا تتطلع إليه شريحة واسعة من الأسر المحتاجة وخاصة أن الكثير منها يقع في أحياء وشوارع بارزة تتكامل فيها كافة مقومات الحياة الكريمة.. هناك الكثير من الحلول القائمة لعل مكرمة خادم الحرمين الشريفين الأجدر بترجمتها عمليا على أرض الواقع.