ضمن إعادة توزيع مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية في العالم تابعنا يوم الجمعة الماضي 18يناير أخبار التوقيع في صوفيا عاصمة بلغاريا على اتفاقيتين مهمتين بين روسيا وبلغاريا. الاتفاقية الأولى تقضي بتأسيس شركة مشتركة روسية بلغارية يونانية لمد وتشغيل أنبوب "بورغاس- الكسندروبولس" الذي سوف يتم بموجبه نقل النفط بالأنابيب من ميناء نوفورسيسك الروسي إلى الميناء البلغاري بورغاس بواسطة البواخر. ومن ثم عبر الأراضي البلغارية بالأنابيب حتى الميناء اليوناني الكسندروبولوس. الأمر الذي سيمكن روسيا عبر هذا الخط من تصدير 50مليون طن من النفط سنوياً إلى جنوب وغرب أوروبا في المستقبل. الاتفاقية الثانية، التي انضمت إليها بلغاريا، هي امتداد للاتفاقية التي وقعتها شركتا غازبروم الروسية و"إيني" الإيطالية للطاقة في أواخر شهر نوفمبر 2007لمد أنبوب "السيل الجنوبي" الذي سوف ينقل 30مليار مكعب من الغاز سنويا من روسيا عبر البحر الأسود إلى بلغاريا ومن هناك يتفرع إلى خطين باتجاه اليونان وإيطاليا ماراً برومانيا، المجر، سلوفينيا والنمسا. وسوف تربو تكلفه هذا المشروع على 10مليارات دولار. ويعتبر هذان الخطان منافسان لأنبوب النفط العابر لبحر قزوين إلى باكو عاصمة أذربيجان وكذلك لأنبوب الغاز "نابوكو" المخطط له نقل غاز وسط آسيا إلى تركيا عبر أذربيجان ومن ثم إلى أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية. ومن الواضح أن اتفاقية صوفيا لنقل نفط وغاز وسط آسيا عبر الأراضي الروسية قد أضعف حظ خطي الطاقة الأخرين اللذان ترعاهما الولاياتالمتحدة رغم كل الجهد الذي بذلته هذه الأخيرة، التي أرسلت خلال العام الماضي إلى وسط آسيا 16وفداً عالي المستوى لإقناعهم بمشاريعها. فالولاياتالمتحدة التي كانت منذ بداية القرن الماضي تعطي أهمية قصوى لامتلاك خطوط إمدادات الطاقة في العالم منزعجة جداً لرؤية روسيا، التي كانت وإلى الأمس القريب مكبلة بالديون والأزمات الاقتصادية، تنتزع منها خطوط إمدادات وسط آسيا - أوروبا الواحد تلو الأخر. والانزعاج الأمريكي مفهوم وربما مبرر إلى حد كبير. فالعديد من الحقول الغنية بالنفط والغاز في آسيا الوسطى التي سوف تنقل منتجاتها عبر خطوط الطاقة التي ترعاها روسيا، مثل حقل تنجيز، كاركاجان وكذلك حقل كاشاجان في كازخستان الذي تبلغ احتياطاته المؤكدة 35مليار برميل والمتوقعة 70مليار برميل والذي قد لا ينافسه حقل آخر في العالم غير حقل الغوار في المملكة، هي حقول مكتشفة من قبل شركات أمريكية كشيفرون، كونوكو فيلبس وأكسيون موبايل. ولذلك فإن خسارة الولاياتالمتحدة أمام روسيا معارك إمدادات الطاقة يفسد عليها كل الخطط التي وضعها خبراؤها طوال السنوات ال 17الماضية. ولكن روسيا تنظر للأمور من زاوية أخرى وبعيون أخرى غير العيونالأمريكية. فهي تعتبر نفسها أكبر منتج للغاز وأضخم مالك لاحتياطه في العالم. فالأراضي الروسية تختزن ما يصل إلى 1.688ترليون متر مكعب من الغاز. كما أنها ثاني منتج للنفط في العالم بعد المملكة وسابع دولة نفطية من حيث الاحتياطات المكتشفة والتي تقدر ب 70مليار برميل. أما الاحتياطات المتوقعة فهي تربو على ذلك. من هنا فإن روسيا تتطلع إلى نفسها بنرجسية عبر مرآة الطاقة باعتبارها دولة عملاقة تسعى إلى لعب دور يتناسب مع طموحاتها. ولذا نراها تقود صراعاً مريراً كي لا تخضع إمدادات الطاقة المستخرجة من وسط آسيا تحت سيطرة جهة أخرى غريبة عن المنطقة. وما اتفاقية "السيل الجنوبي" التي تم التوقيع عليها في صوفيا نهاية الأسبوع الماضي، إلا واحدة من معاركها الاقتصادية الناجحة لمنع الولاياتالمتحدة وأوروبا من مزاحمتها في فضاء ترى أن لها الأولوية فيه.