هل يؤدي النقص في عدد المصافي إلى ارتفاع سعر الخام؟ أو بعبارة أكثر دقة: هل صحيح أن أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الخام الآن هو عدم وجود مصافٍ كافية؟ الجواب: لا! لماذا؟ لأن المستهلك النهائي لا يستخدم الخام إلا بعد تكريره في المصافي وتحويله إلى مشتقات فإذا قل عدد المصافي التي تحوّل الخام إلى مشتقات يحدث اختناق في الطلب على الخام وبالتالي تنخفض أسعاره تلقائياً ولا ترتفع.. باختصار الذي يشتري الخام من بائعي الخام هو المصافي وليس المستهلك النهائي.. بإمكاني أن أقول انه إذا انعدمت المصافي انعدم الطلب على الخام تقريباً.. وفقاً للاصطلاح الاقتصادي فإن العلاقة بين عدد المصافي والطلب على الخام هي علاقة طردية.. أي كلما زاد عدد المصافي زاد الطلب على الخام وكلما نقص عدد المصافي نقص الطلب على الخام (أرجو الملاحظة أنني عندما أقول عدد المصافي أعني حجم الطاقة للمصافي). إذن أصبح من الواضح الآن أن الطلب على الخام هو طلب مشتق من الطلب على مشتقاته مثل البنزين والديزل وغاز التدفئة إلى آخر قائمة المشتقات. من الطبيعي أن يقفز في ذهن القارئ الآن سؤال صارخ هو: إذا كان حقاً أن العلاقة بين أسعار الخام وعدد المصافي بهذه البساطة الطردية فمن أين إذن جاءت مقولة إن النقص في عدد المصافي هو السبب - ضمن أسباب أخرى - التي أدت لارتفاع أسعار الخام/ قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نوضح الدور المزدوج الذي تلعبه المصافي في التأثير على أسعار المشتقات. حتى هذه اللحظة تحدثنا عن تأثير عدد المصافي على سعر الخام وقلنا ان العلاقة بينهما هي علاقة طردية ولكننا لم نتحدث عن تأثير عدد المصافي على أسعار المشتقات.. العلاقة بين عدد المصافي وبين أسعار المشتقات هي علاقة عكسية أي كلما انخفض عدد المصافي كلما زادت أسعار المشتقات وكلما زاد عدد المصافي كلما انخفضت أسعار المشتقات.. لماذا؟ لأن المصاف هي حلقة الوصل بين الخام ومشتقاته فإذا انعدمت المصافي انعدم الطلب (أكرر الطلب) على الخام وانخفضت أسعاره وفي نفس الوقت انعدم عرض (أكرر عرض) المشتقات وارتفعت أسعارها. هكذا إذن تكون قد اتضحت الصورة لدينا عن الفرق بين التأثير المزدوج لنقص عدد المصافي من حيث أولاً: تأثيرها على خفض أسعار الخام من جهة وثانياً: تأثيرها على زيادة أسعار مشتقاته من الجهة الأخرى.. وبالتالي فإن أول ما يتبادر إلى الذهن كجواب لسؤال من أين جاءت مقولة ان نقص عدد المصافي هو سبب ارتفاع أسعار الخام؟ هو: أن هذه المقولة جاءت أول ما جاءت على لسان قائلها الأول نتيجة للخلط بين أسعار الخام وأسعار المشتقات ومن ثم تناقلتها ألسنة (جمع لسان) وسائل الإعلام حتى ترسخت المقولة في الأذهان وأصبحت اكليشة مطبوعة على لسان كل من يوجه له سؤال: ما أسباب ارتفاع أسعار البترول؟