المخدرات آفة العصر وهي أكثر الأخطار التي تهدد أفراد المجتمع. فما زالت قلوب الكثير من الآباء والأمهات تئن من عقوق أبنائهم تحت وطأة المخدرات التي فتكت بالعقول وهدمت الأجساد وشتت الأسر وحطمت المجتمعات وأهدرت الأموال وذهبت بالمبادئ والقيم. كان كل منا يعتقد لفترة طويلة من الزمن ان الجريمة لا يرتكبها إلاّ صاحب القلب الميت (أو ما نسميهم المجرمين) ولكن يبدو انه ليس مستغرباً الآن ان نسمع أو نشاهد أو نقرأ ابناً يمسك بالسكين ويقتل والده أو والدته أو يضرم النار بهما من أجل جرعة مخدر قاتلة. الأمانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات التقت بأم (حسن) تلك الأم المكلومة التي تبددت أحلامها وضاعت آمالها وساورتها الهموم والمآسي والأحزان تجهش بالبكاء وتتساقط الدموع وهي تروي لنا معاناتها مع فلذة كبدها بعد ان سهرت عليه الليالي وتحملت المصاعب منذ ان كان نطفة حتى بلغ سن الرشد ليمارس معها أصناف العقوق والعذاب. تقول أم حسن (40) سنة من الرياض : توفي زوجي قبل سبع سنوات بمرض لم يمهله طويلاً مخلفاً ثلاثة أولاد وبنت أكبرهم (حسن) البالغ من العمر ( 22عاماً) وكان عمره حين وفاة والده ( 15عاماً). ويعلم الله أنه لم يدر بخلدي يوماً من الأيام بأن ابني سيمسك بالسكين ويمزق جسدي محاولاً قتلي فقد كان مطيعاً خلوقاً محافظاً على الصلوات ومن المتفوقين بدراسته، وبعد وفاة والده تغيرت حالته وكنت أظن أنها ردة فعل بسبب حزنه على فراق والده. وكنت أنظر إليه بعطف الأم وحاولت ان أقنعه بأنه هو العائل لنا بعد وفاة والده ويجب عليه ان يتحمل ويصبر ويكون قدوة حسنة له ولأخوته و ان يواصل تعليمه. إلاّ ان حالته تزداد سوءاً يوماً بعد يوم عصبي المزاج وكان يخرج من المنزل لأصدقائه بحجة قضاء الوقت والترويح عن نفسه معهم فأصبحت سلوكياته تتغير شيئاً فشيئاً، وكنت اسمح له بذلك تقديراً لحزنه على والده الذي كان حازماً ومتابعاً له ولاخوانه. وكثر خروج (حسن) ولا أراه إلاّ في الثلث الأخير من الليل وذات مرة عاد إلينا وهو يشتكي من حالة إعياء شديدة وحاولت الاستنجاد بجيراني لايصاله للمستشفى إلاّ أنه كابر ورفع صوته ويهددني ان فعلت ذلك. وتركته وفي اليوم التالي اتصلت على المدرسة لأخبرهم بأن (حسن) لا يستطيع الحضور اليوم لمرضه، ويفاجئني مدير المدرسة بأن حسن له ثلاثة أيام لم يحضر (غائب) عن المدرسة ومستواه الدراسي ضعيف ومعاملته مع المدرسين وزملائه أصبحت سيئة. سألت (حسن) عن سبب غيابه وصرخ بوجهي وخرج من المنزل وأسبوعاً كاملاً لم أر وجهه وزاد همي وقلقي عليه وعاد بعدها إلى المنزل وهو بشكل غير طبيعي وتصدر منه بعض الحركات الغريبة التي تدل على أنه في غير وعيه ورائحته كريهة جداً وشكيت في أمره وحاولت نصحه إلاّ أنه تركني وخرج. وتمضي الأيام وتأتي الطامة الكبرى ويتم القبض عليه إثر تعاطيه المخدرات ويتم عقابه بالسجن لمدة سنة ونصف السنة وبعد خروجه من السجن دخل علينا كالمسعور وينهال عليّ وعلى اخوته بالضرب بحجة أننا نحن من قمنا بالابلاغ عنه وهو يعلم بأنه تم القبض عليه وهو في حالة تعاط وإدمان مع جلساء السوء في استراحة الضياع ومع ظروف الحياة التي أمر بها والتي أثقلت كاهلي وضاقت حيلتي وأنا أحمل هم أعباء المنزل فوق رأسي وخوفي الشديد على اخوته منه. لأن ابني أصبح من عداد الأموات بل ليته يموت فأرتاح منه. كان لا يعيرنا أدنى رعاية أو اهتمام إلاّ إذا نفد ما بيده من النقود، دخل علينا البيت ويأخذ ما وقعت عليه يده من قوتنا الذي كان يصلنا في آخر الأمر من المحسنين أو الجمعيات الخيرية ثم يغيب بعدها أسبوعين مع شياطين الأنس لا نعلم عنه شيئاً. واحتجت يوماً إلى بعض المال وضاقت بي السبل فلم أجد بداً من عرض مجوهراتي التي أملكها للبيع وبالرجوع إليها لم أجدها في مكانها فقد قام بسرقتها وبيعها من أجل التعاطي وبكيت أسى وندماً وليت البكاء يجدي شيئاً لقد ضاع ابني وغرق في بحور هذه الآفة وتاه في دهاليزها ولجأت إلى مستشفى الأمل بعد شفاعات وطول انتظار ليستقبلوا حالته المريرة وما هي إلاّ فترة لا تتجاوز الأسبوع من دخوله ويعود إلينا وحش كاسر لا يتكلم.. لغته الضرب والتهديد وكنت أخفي اخوته عنه ولم اسلم منه فهذا ابني (محمد) عمره الآن ( 17سنة) خير شاهد على معاناتي معه فقد كان يملك جهاز كمبيوتر وحاول حسن مراراً وتكراراً ان يسرقه إلاّ ان اصرار (محمد) كان زيادة في الهم والحزن والبلوى عليّ فبعد عراكهم بفناء المنزل على هذا الجهاز اعتلى صوت أخيه (محمد) وخرجت مسرعة وإذا به يسبح في دمائه فقد شج رأسه بطوبة وأخذ الجهاز وهرب وحملته للمستشفى وتم وضعه تحت العناية المركزة لمدة أسبوعين وتأتي الفاجعة التي تجرعت مرارها إلى هذه اللحظة حيث أخبرني الطبيب بأني ابني (محمد) قد اختل عقله من جراء قوة الضربة وها هو كما ترى عالة علي في المنزل وخارجهس لا يملك لنفسه نفعاً وأخشى عليه وعلى بقية اخوته منه فإنه لا عقل لديه ولا أقول إلاّ حسبي الله ونعم الوكيل. وبعد شهرين من هذه الواقعة عاد (حسن) وكأن لم يحصل شيء يترنح من تعاطيه، فقد احتدم النقاش بيني وبينه ولكن هذه المرة يريد اخته ان ترافقه إلى السوق وخوفاً من عار يجلبه لنا وقفت بوجهه وكنت أقول له (وصلت فيك إلى شرفك وعرضك) وإذا به يدخل المطبخ ويأخذ السكين ويشج وجهي وهذه آثارها بيدي وبأجزاء من جسدي ولولا صراخ اخوته وحضور جيراني لقتلني وخرج دون مبالاة، واتصلت على الجهات الرسمية وأخبرتهم بذلك وتم القاء القبض عليه، وأتمنى من الله ان يريحني منه. لقد تراكمت همومي وتواصلت أحزاني وتواترت أشجاني لكني مع هذا كله لم أزل أسلي نفسه بزوال محنتي وانكشاف الغمة فلكل هم فرج ولكل ضيق مخرج فعسى ان يكون ذلك قريباً. ان معاناتي وحالتي أبلغ من حديثي فكم صاح الغيورون ونادي المنادون.. مراراً وتكراراً ان المخدرات دمار للعقل وضياع للأسر وآفة بكل ما تعنيه هذه الكلمة فهي آفة على الإنسان وآفة على الأسرة وآفة على المجتمعات ولعل معاناتي تيقظ ضمائر الشباب، وان لا يسلكوا ما سلكه ابني والذي أدعو عليه ومازلت ادعو الله ان يأخذه عاجلاً غير آجل.