دائماً نسمع كلمات (أبشر) و(لك من عندي بشارة) (بشر فلان بكذا) وهي عبارات تدل على الخبر المفرح، ولهذا كان الناس قديماً يحرصون على نقل الخبر المفرح، ويبدأون نقله له بقولهم أبشر يا فلان، وأغلب البشارة كانت بالولد أو بقدوم مسافر غاب طويلاً، أو بموافقة أهل العروس عند الخطبة أو بموافقة بائع على بيع مرعوب في شرائه كمنزل أو بستان، أو بسلامة قريب من مرض، أو بوجود ماء في بئر تحفر لأول مرة أو بحصول محمود أياً كان. ومن عادة الناس السعي لبعضهم ولمعارفهم بالبشارة ونقل ما يفرح من الأخبار ومما يدخل السرور عليهم في كل ما هو مبهج ومفرح، وكلمة: (أبشر). وأغلب ما يبشر به المولود، وقد يسافر البشير من بلد إلى آخر يبعد مسافة تزيد على اليومين والثلاثة ليخبر آخر بخبر مفرح، وفي الغالب يعطى البشير البشارة فهي من حقه لأنه سبق بالخبر السعيد، وتكون نقوداً بحسب امكانيته. لقد كانت البشارة شائعة في المجتمع وهي من علامات الانسجام والمحبة بين الناس، وتدل بلاشك على محبة الخير من الأخ لأخيه المسلم، وهي ظاهرة صحية تدل على أن الجميع يحبون لبعضهم ما يحبون لأنفسهم، وهي علامة أكيدة على صفاء النفوس كما أن تتبع الأخبار السعيدة من الطباع الحميدة والخصال المقبولة، ولذا تترقب القلوب دوماً ما يسرها وتتقابل الوجوه بالبشرى والسرور دوماً فتصفو السرائر من الأحقاد والكراهية لأن الأفراد شاعت بينهم المودة وتعودوا حرص بعضهم على بعض، فلا يظن الواحد منهم أن يجد من أخيه إلا ما يدخل على نفسه البهجة، وقال أن يذكر له موقف حزين أو يساق له ما يكدر خاطره، فإن وجد من الأخبار ما يسوء أخفوه عنه قدرما يستطيعون حفاظاً على مشاعره وترقباً لمناسبة ووقت آخر يكون وقع الخبر عنده أخف ألماً وأقل تأثيراً. نعم ذاك المجتمع بما شاع فيه من تعامل وعادات، وما تطبع عليه أهل ذاك الزمان من طيب الفعال، وما ساد بينهم من كريم الأخلاق والخصال رحمه الله فقد خلفوا لنا سيرتهم العطرة لنقتدي بها لكن لعل كثرة أخبار زماننا ضيعت علينا فرصة الانتقاء منها واختلط علينا الكم الهائل مما بين يدينا فلا ندري من أين نبدأ ولم نعرف ما يسر وما يفرح، فعسى أن نستضيء بعادات أهلنا الأوائل قبل أن نتيه بين ما نحن فيه من ركام تكاثر فوق كل ما كان يعرف حتى لا يكاد يظهر من عاداتنا ما يميزنا وبه نعرف.