وإن أحسن بيت أنت قائله بيت يقال إذا أنشدته صدقا منذ أزمنة بعيدة، كان الشعر في الجزيرة العربية أكثر من مجرد كلمات موزونة أو قوافٍ جميلة؛ كان ديوان العرب، ومرآة حضارتهم، ولسان حالهم في الحرب والسلم، في الفخر والحب، في الحكمة والموعظة. حمل الشعر العربي تاريخ أمة، وسجّل مآثرها، وصاغ مشاعرها في أبهى صور البلاغة. لقد ارتبط الشعر بالهوية العربية ارتباطًا وثيقًا، وكان الشاعر يُعد صوت القبيلة وذاكرتها الحيّة. ومن هنا، نجد أن العرب لم يكتفوا بحب الشعر، بل عظّموه، واعتبروه تاج الفصاحة ومنبرًا للكرامة والعزة. يقول المتنبي عن عظمة الشعر: "أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ" في هذا البيت تتجلى مكانة الشاعر، لا كناقلٍ للمشاعر فحسب، بل كصانعٍ للتأثير، وناشرٍ للجمال، وملهمٍ للأمم. وما يميز الشعر في الجزيرة العربية أنه وُلد من صلب الصحراء، من قسوة الطبيعة وصفائها، ومن عبق القيم الأصيلة كالشجاعة والكرم والصدق. فكان الشاعر، في البادية، ناطقًا باسم القبيلة، يخلّد أمجادها، ويذود عنها بالكلمات كما يُذاد عنها بالسيوف. وهكذا يبقى الشعر في الجزيرة العربية ليس مجرد تراثٍ يُروى، بل روحًا نابضة تسكن القلوب، وتُلهِم العقول، وتُجدد الهُوية جيلاً بعد جيل. إنه الفن الذي حفظَ التاريخ، وعبّر عن الوجدان، وصاغ ملامح الإنسان العربي في أرقى صُوَره. فطالما ظلّ فينا شغف الحرف، وصدق الشعور، سيظل الشعر سيّد الكلام، وديوان العرب الخالد. والمملكة العربية السعودية في ظل رؤية 2030 أطلقت مبادرة «عام الشعر العربي» اعتزازاً بمضامينه العربية الأصيلة، بوصفه قيمة محورية في الثقافة العربية، على امتداد تاريخ العرب، وانطلاقاً من تأثير الجزيرة العربية التي كانت ولا تزال موطناً للشعر والشعراء، ومصدراً لروائع أدبية راسخة في الحضارة الإنسانية. وكانت وزارة الثقافة قد عملت خلال «عام الشعر العربي» على دعم الحالة الشعرية العربية، والاحتفاء بمبدعيها السابقين والمعاصرين، إلى جانب تسليطها الضوء على الأنواع والأغراض الشعرية، وتعزيز حضورها في الحياة والمجتمع، وذلك من خلال مبادرات وأنشطة وفعاليات أقيمت على مدار عام 2023م في قالبٍ ثقافي متنوع وثريّ، وتجربةٍ شاملة ومتكاملة عززت من مكانة الشعر العربي. وأخيراً نحن نحتاج الشعر لأننا بشر، نحب ونحزن ونفرح ونغضب ونندم ونبكي وتنتابنا الحيرة ويساورنا الشك ويحيق بنا اليأس ونتوق إلى الخلاص، وأجمل الشعر ليس مرهونا بكذبه وصدقه، فأعذب الشعر هو ما كسر أفق التوقع لدى المتلقين بدهشة ولذة أطربتهم، فترنموا وقالوا: ما أبدعه.